«بمقدور حماس منع تحقيق اختراق في هذه المفاوضات»

بقلم: 

تتناول صحيفة "الشرق الأوسط" في ملف سجالات  آفاق مفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية، وما إذا كانت ستحقق أي اختراقات خلال الأشهر المقبلة، وذلك ما إذا كانت ثمة تحركات، لا سيما من جانب حركة «حماس»، يمكن أن تعطلها.

وفي سياق ذلك طرحت الصحيفة  سؤالين على الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون؛ السؤال الأول: (هل تتوقع أن تتوصل مفاوضات السلام إلى اختراق حقيقي خلال الأشهر)

لا أتوقع حدوث اختراق جدّي في المفاوضات الدائرة برعاية أميركية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. فالفجوة متّسعة في حدود ما هو معروض إسرائيليا ومقبول فلسطينيا، إلا في حالة خضوع السلطة لمنطق الأمر القاهر، ضمن ترتيبات إقليمية شاملة تشارك في صياغتها قوى دولية وازنة، تمارس ضغطا على الطرفين وفق رؤية حديثة لشرق أوسط جديد.
من المعروف أن هناك تصميما دوليا على استمرار عملية السلام. وفي الوقت ذاته لا يوجد، حتى اللحظة، إرادة موازية لإحداث نتائج إيجابية واتفاق جدي، مما حوَّل عملية التفاوض نفسها إلى هدف تشغيلي، إذ تتعامل القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة مع هذا الملف بمنطق إدارته وتحريكه لا إنهائه وإقفاله.. وفق نظرية إبقاء الحال على ما هو عليه.

أما حركة حماس، فلا أعتقد أنها قادرة على إيقاف عملية السلام نفسها أو تعطيلها أو التأثير على مسارها. لكنها قادرة على وقف المفاوضات عرضيا ومؤقتا، ثم إن حماس وإن غابت إعلاميا فستستمر فعليا. وبما أن قدرات الحركة أقل بكثير من الإرادة الدولية لرعاية المفاوضات، ما عادت الحركة تضع إعاقة المفاوضات أو منعها ضمن أولوياتها وخارطة تفكيرها. ثم إن لقيادة حماس السياسية مواقف متقدمة في إعطاء الفرصة الزمنية للسلطة لتحقيق مكاسب إن استطاعت. وهي تسعى من وراء موقفها هذا إلى تحاشي الظهور بمظهر المتحدّي للإرادة الدولية والموقف العربي الرسمي المتبني لاستراتيجية المفاوضات والسلام مع إسرائيل، ويجري التعامل معها، بالتالي، كحركة مارقة على المجتمع الدولي.
ثم إن حركة حماس غيرت موقفها من المشاركة والتأثير في اللعبة السياسية القائم على معاندة هذه اللعبة ومحاولة عرقلتها، وعملت على إنضاج فكر واقعي، يقوم على الموازنة بين ما تطرحه من رفض لشروط الرباعية الأوروبية، وفرض نفسها كرقم في المعادلة السياسية المقبلة. ولقد قدمت إشارات توضح نيتها التعاطي مع المنطق الدولي في سياق حفاظها على مكتسباتها السياسية والوطنية.

كذلك، اكتسبت حركة حماس قوة إضافية ونوعية بعد تجربتها في الحكم والسياسة، وفي الوقت نفسه، زاد تقبلها لتعقيدات الواقع ومعادلة القوة الدولية. وهي تسعى اليوم، لاختراق ساحة التمثيل الفلسطيني، وقيادة المشروع الوطني في مقدمة منها، لكي تكون طرفا واضحا في أي ترتيبات مقبلة.

من ناحية ثانية، أعتقد أن أي اختراق جدي يتجاهل حركة حماس في وضعها الحالي لن يُكتب له النجاح. إنها قادرة على عرقلته وإضعافه، لما تمتلكه من أوراق قوة في الساحة الفلسطينية. ولا ننسى أن الحركة فازت بالانتخابات الفلسطينية الأخيرة بنسبة تمثيل عالية، وما زالت تتمتع بشعبية كبيرة، ولها ثقلها في الأوساط الفلسطينية. ناهيك بأنها تمرّست في العمل السياسي وغدا لها «كوادر» مؤثرين، كما أن للحركة علاقات إقليمية مع دول وازنة لها تأثيرها، وتلعب أدوارا مهمة في الشرق الأوسط.

بعد كل هذا، تنبغي الإشارة إلى أن أهم عناصر القوة المتوافرة لدى حماس تتمثل بقدرتها على الفعل المقاوم الذي شهد في هذه المرحلة تطورا نوعيا وكميا على مستويات عدة، مما يؤهل الحركة للدخول في مواجهات واسعة ومفتوحة مع الاحتلال. وبالتالي، لئن كانت حماس تسير في خط التهدئة اليوم فهي تبقى قادرة على تفجير احتكاك عسكري قوي مع إسرائيل قد يؤدي إلى بعثرة الأوراق والتأثير على الترتيبات السياسية. إن من يستطيع افتعال الحروب بمقدوره تعطيل السلام.
* رئيس مركز أبحاث المستقبل ورئيس تحرير موقع «سراج للإعلام» - غزة

 

المصدر: 
الشرق الاوسط