سياسات نتنياهو.. تحويل الحلم إلى كابوس

بقلم: 

 

لم يسبق أن كان أوضح مما هو الآن حقيقة أن الأميركيين الذين يؤيدون دولة آمنة لإسرائيل ينطوون على التزام بمعارضة حكومة نتنياهو. وليس ذلك إفراطاً في الجرأة بالقدر الذي يبدو عليه.
تتطلب معارضة رئيس الوزراء نتنياهو فقط دعم الجهود التي تبذلها حكومتنا في أميركا من أجل تحقيق اتفاق إسرائيلي-فلسطيني، وإبرام صفقة نووية مع إيران. وفي الأيام القليلة الماضية، ذهب نتنياهو إلى الحرب ضد إدارة أوباما على كلتا هاتين الجبهتين.
لم تكن لدى وزير الخارجية، جون كيري، الكثير من الفرصة على الإطلاق لإنجاز اتفاق إسرائيلي –فلسطيني. ولا تستطع حكومة نتنياهو الانسحاب من الضفة الغربية، حتى لو أرادت ذلك، في ضوء توليفة ائتلاف أقصى اليمين الذي يترأسه نتنياهو. لكن الحقيقة هي أنها لا تريد ذلك أيضاً.
عند نقطة ما، كان من المحتم أن تنهار محاولة كيري لجلب الإسرائيليين الفلسطينيين للتفاوض معاً، بسبب موضوع الاستيطان. ومع ذلك، ولغاية إفساد أي تقدم محتمل في مهده، أعلن نتنياهو مؤخراً عن خطط لبناء 3500 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية. وبكلمات أخرى، وبدلاً من مسايرة كيري وترك المحادثات لتنهار في وقت لاحق، يقوم نتنياهو بسحب القابس حتى قبل أن يوضع في الحائط.
إنه لا يخاطر بأي احتمال لأن يتم التوصل إلى تقدم باتجاه السلام. أما بالنسبة للسؤال حول ما الذي ستفعله إسرائيل عندما يفوق عدد الفلسطينيين في إسرائيل والأراضي المحتلة عدد السكان اليهود، فتلك ليست مشكلته. إنه يرى أن مهمته تكمن في الحفاظ على ائتلافه، وليس على الدولة اليهودية. بل ان الأكثر تدميراً لمستقبل إسرائيل هو رفض نتنياهو الصريح (مقدماً) للاتفاق الذي يهدف إلى إنهاء حالة الجمود التي تلف التطور النووي في إيران. وقد استطاع الرئيس أوباما -منتهزاً فرصة انتخاب رئيس إيراني جديد براغماتي ومعتدل، الخروج بصيغة توقف بموجبها إيران برنامجها النووي لستة شهور في مقابل تخفيف الولايات المتحدة للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها على إيران. وشكلت تلك الصيغة خطوة أولى تستهدف منح الجانبين فسحة نصف عام للتوصل إلى صفقة شاملة.
لم يستطع نتنياهو الانتظار ريثما يتم الإعلان عن الاتفاقية، فبادر إلى الرفض فوراً. وظهر أمام الكاميرات ليعلن أن إسرائيل "ترفض تماماً وكلية" هذه الاتفاقية، ولا تعتبر نفسها ملزمة بها، وأنه لا يريد رفع العقوبات عن إيران حتى تتقيد حكومتها بالكامل ومقدماً بمطلب تفكيك كافة مراحل برنامجها النووي. ومن المعروف أن إسرائيل تتوافر على أسلحة نووية بينما لا تتوافر إيران عليها، فيما يعمل أوباما من أجل ضمان أن لا تتوافر عليه أبداً.
ليس من الصعب مشاهدة أن هدف نتنياهو لا يتعلق كثيراً بأي تهديد نووي إيراني بقدر ما يتعلق بضمان أن لا تكون إيران قادرة على الاضطلاع بأي نوع من الأدوار القيادية في المنطقة. وهو يعتقد بأن من الممكن تحقيق ذلك الهدف عبر الوسائل العسكرية فقط، إما بهجوم إسرائيلي يشن على إيران، أو، والأفضل، بحرب أميركية تشن على الجمهورية الإسلامية. وبالرغم من أن محللين أمنيين كباراً في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل يتفقون في الرأي على أن أي هجوم عسكري على إيران قد لا يفشل في تحقيق أهدافه وحسب، وإنما قد يقحم المنطقة (بما فيها إسرائيل بالطبع) في حرب أخرى، فإن نتنياهو متشبث برأيه. وتراه يرفض المفاوضات جملة وتفصيلاً.
بطبيعة الحال، من غير المرجح أنه يتمكن نتنياهو من وقف التوصل إلى صفقة، ولو أن خطته واضحة. فقد أعلنت لجنة الشئون العامة الأميركية الإسرائيلية "آيباك" أصلاً عن خططها لنسف أي اتفاقية، من خلال حمل الكونغرس على فرض عقوبات إضافية على إيران في نفس الوقت الذي يعرض فيه أوباما إزالة العقوبات. وفي ضوء أننا نعيش مسبقاً في حملة الكونغرس للعام 2014، فإن نتنياهو يفترض أنه يستطيع التعويل على المستفيدين من السخاء المالي للوبي المذكور للقيام بما تطلب "إيباك" منهم فعله. وباختصار، يعول نتنياهو على "ايباك" والموالين لها في الكونغرس للعب الدور الذي ينسب بشكل عام لـ"الملالي" في إيران: منع التوصل إلى السلام عبر من خلال استخدام نفوذهم الفائق. وهكذا، يحتاج أصدقاء إسرائيل إلى التساؤل عم سيحدث إذا نجح نتنياهو في جهوده لتدمير الفرص المتاحة لكل من الاتفاقيتين الإسرائيلية- الفلسطينية، والأميركية الإيرانية.
إلى متى تستطيع إسرائيل الاستدامة على هذا النحو؟ وكم تستطيع الاستمرار في التعويل على المساعدة الأميركية بينما تقوم بإجهاض الجهود الدبلوماسية الأميركية التي لا ترمي إلى المساعدة في تأمين إسرائيل وحسب، وإنما الحفاظ على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وحمايتها أيضاً؟
كما ظهر في الجدال حول المساعدات للمعارضة السورية، يرفض الأميركيون من عموم الطيف السياسي فكرة الانخراط الأميركي في نزاعات الشرق الأوسط. ولك أن تنحي جانباً الكلف الاقتصادية لتفكر في الأميركيين الذين ينتهي بهم المطاف وهم يقاتلون ويموتون (أو يصابون بجراح بليغة، فيما لا يقل سوءاً) في هذه الحروب التي يمكن تجنبها.
وقد اعتبر الرؤساء الأميركيون المتعاقبون أن استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يشكل تهديداً لمصالح أميركا. أما بالنسبة للحرب مع إيران -الحرب التي يبدو أن نتنياهو يفضلها على إنجاز سلام متفاوض عليه- فإنها تشكل تهديداً للأميركيين لا يمكن أن يكون أكثر مباشرة.
ثم هناك إسرائيل نفسها. فقد استغرقت إعادة تأسيس الدولة في فلسطين من اليهود 1900 عام.
ومن الممكن تأمين بقاء هذه الدولة للأبد من خلال عقد اتفاقية مع الفلسطينيين لاقتسام الأرض، وبشكل أساسي على طول خطوط العام 1967. وبالمثل، من الممكن أن تساعد المصادقة على جهد أميركا لإنجاز اتفاقية مع إيران في القضاء على التهديد الموجه لإسرائيل من القوة الإقليمية الوحيدة القادرة على التلويح بالقوة (حيث مصر والأردن في سلام مع إسرائيل، بينما تحافظ حتى سورية نفسها على السلام مع إسرائيل منذ العام 1973).
من المحزن القول أن نتنياهو نفسه هو الذي يشكل التهديد الأكبر لإسرائيل. وقبل خمسين عاماً من خلق إسرائيل، كان ثيودور هرتزل قد قال: "إذا أردتم خلقها، فإنها لن تكون حلماً". ويبدو نتنياهو عاقداً العزم على تحويل ذلك الحلم، ذلك الذي تحقق بأعجوبة في العام 1948 إلى كابوس. ومن المؤمل أن لا تسمح الولايات المتحدة لذلك بأن يتحقق.
 
المصدر: 
ميدل إيست أونلاين