نتنياهو ونووي إيران

بقلم: 

 

يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، التعبير عن غضبه إزاء الرئيس أوباما وسياسته تجاه إيران عبر التودد إلى نظيره الفرنسي، فرانسوا أولاند، لا سيما بعدما أبدى هذا الأخير موقفاً صارماً حيال طهران، فعندما صرح نتنياهو يوم الأحد الماضي أمام أولاند في مستهل زيارته لإسرائيل التي تستمر ثلاثة أيام بأن «مساندتك لإسرائيل وصداقتك لها حقيقية وصادقة»، فإن كلمات الإشادة تلك كانت موجهة إلى واشنطن، معبرة عن عدم ثقة نتنياهو في مساعي أوباما لتحقيق إنجاز دبلوماسي مع إيران.

وإمعاناً في إيصال الرسالة إلى من يهمه الأمر أضاف نتنياهو في معرض إشادته بالرئيس الفرنسي «لقد كنت الوحيد بين الستة» الذي وقف وقفة حازمة في الأسبوع الماضي ضد التوصل إلى اتفاق مؤقت مع إيران حول برنامجها النووي، وهو الاتفاق الذي أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه سيكون «جيداً لإيران وسيئاً جداً لباقي العالم». وليس خافياً أن الستة الذين ألمح إليهم نتنياهو هم القوى الدولية المنخرطة في المفاوضات الجارية مع طهران حول ملفها النووي ومساعيهم الحثيثة لمنع تطوير قدرتها لصناعة السلاح النووي.

لكن رغم المعارضة الإسرائيلية لإبرام اتفاق مع إيران لا يوقف نهائياً برنامجها النووي، من المتوقع أن يلتئم اجتماع آخر بين الدول الست وإيران لعقد جولة ثانية من المفاوضات في جنيف خلال الأسبوع المقبل سيكون هدفه الرئيس التوصل إلى اتفاق مؤقت لستة أشهر يعمل على إبطاء البرنامج النووي لإيران فيما تتواصل المباحثات لاستكمال اتفاق نهائي.

ويعترف المسؤولون الأميركيون سواء في السر، أو العلن، بالفترة الحرجة التي تمر بها العلاقات مع إسرائيل، ليس فقط فيما يتعلق بالموضوع الإيراني، بل أيضاً فيما يتصل بمباحثات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، لكن تبقى التصريحات الأميركية أخف في حدتها من نظيرتها الإسرائيلية المحذرة من أزمة الثقة التي بلغتها العلاقات بين البلدين. وفي مسعى لاحتواء هذا التوتر ركز الظهور الإعلامي المتكرر للسفير الأميركي لدى إسرائيل، «دانييل شابيرو»، على موضوع واحد، وهو أن الاختلافات في الرأي والمواقف بين الأصدقاء واردة، إلا أن أهمية الصداقة الراسخة بالنسبة لمصالح البلدين تظل أقوى لتدفعهما إلى حل خلافاتهما سراً إنْ أمكن ذلك، مذكراً في الوقت نفسه بما سبق أن قاله أوباما من أنه «لن يسمح لإيران بتطوير السلاح النووي»، وهو «مستعد من أجل ذلك لاستخدام جميع وسائل القوة الأميركية».

لكن رغم هذه التأكيدات لا يبدو نتنياهو مطمئناً بعدما تشكلت لديه قناعة شبه راسخة بأن أوباما يسعى بكل السبل لتحقيق إنجاز دبلوماسي كبير مع إيران لدرجة أنه مستعد للتوقيع على اتفاق «خطير». ويأخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي على الاتفاق المؤقت موضوع البحث في جنيف أنه يخفف كثيراً من العقوبات المفروضة على إيران مقابل القليل، والنتيجة كما يقول إن طهران ستستغل الأشهر الستة من المفاوضات للاستمرار في تخصيب اليورانيوم حتى الوصول إلى نقطة اللاعودة.

ورغم إصرار طهران على أن برنامجها النووي موجه لأغراض مدنية بحتة، فإن مخزونها من اليورانيوم المخصب، وآلاف أجهزة الطرد المركزية، فضلاً عن مجموعة المنشآت النووية التي تتوافر عليها تثير شكوك ومخاوف المجتمع الدولي.

وقد حذر نتنياهو من أن التوقيع على اتفاق سيء مع إيران سيضاعف احتمالات الحرب معها في إشارة إلى أن إسرائيل لن تتردد في ضرب المنشآت النووية الإيرانية كما فعلت مع مفاعلات نووية أخرى في العراق وسوريا. لكن رغم هذه التصريحات لا يعتقد المحللون في واشنطن أن يقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي على عمل عسكري ضد إيران بالأشهر الستة التي ستتفاوض فيها القوى الست مع إيران، ويرى هؤلاء أن نتنياهو يدرك أن اتفاقاً ما على وشك الانعقاد بين القوى الغربية وإيران حول برنامجها النووي، وأنها مسألة وقت ليس أكثر، لذا يحاول من خلال تصعيد خطابه الضغط على الغرب والولايات المتحدة للخروج بأفضل اتفاق ممكن.

والدليل على أن التودد الإسرائيلي للرئيس الفرنسي لا يحمل أي حماس خاص للموقف الفرنسي، هو التباين الموجود في مواقف البلدين حول الموضوع النووي الإيراني، ففي الوقت الذي تصر فيه إسرائيل على ضرورة وقف إيران لجميع أنشطة تخصيب اليورانيوم، يكتفي «أولاند» بالإشارة إلى الاتفاق على جعل التخصيب يقتصر على المستويات المرتفعة منه، والتي تمكن إيران من الوصول إلى القنبلة النووية دون أن يعني ذلك وقفاً لجميع أنشطة التخصيب، والأكثر من ذلك أن «أولاند» استغل زيارته الأخيرة لتل أبيب كي يطالب نتنياهو بوقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، كما دعا إلى جعل القدس عاصمة مشتركة للدولتين، وهي المواقف التي لا تروق لرئيس الوزراء الإسرائيلي.

المصدر: 
كريستيان ساينس مونيتور