أحلام كيري في الشرق الأوسط

بقلم: 

تخيّل عالماً يكون فيه الشرق الأوسط خالياً من المذابح ومظاهر الفوضى، وهو على مشارف سلسلة من الاختراقات السياسية الناجحة. وفي هذا العالم الافتراضي الذي يمكن أن يهل علينا في ربيع عام 2014، تكون الدبلوماسية قد نجحت في تأمين المشروع النووي الإيراني من خطر التحوّل إلى الأهداف العسكرية، وتكون مصر قد تحولت إلى النظام الديموقراطي الليبرالي الحر، وتم عزل ديكتاتور سوريا بشار الأسد، ونجحت جولات التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتم الإعلان عن قيام دولة فلسطين الحرة.

هذا هو السيناريو المدهش الذي كان كيري يحلم به أثناء تنقله في رحلاته المكوكية عبر العالم الأسبوع الماضي، وهو الذي يتمنى أن يتحقق خلال ولايته كوزير للخارجية. ولكن، وفي هذه الأثناء تحدث أمور أخرى مختلفة تماماً عن هذا العالم المثالي، فلقد أعلنت منظمات الإغاثة ووكالات المساعدة الدولية عن انتشار المجاعة ومرض شلل الأطفال في سوريا، وشهدت مصر الجلسة الأولى لمحاكمة مرسي، ووصف المسؤولون الفلسطينيون والإسرائيليون مفاوضات السلام التي تجري تحت رعاية الولايات المتحدة بأنها بلغت مرحلة التوقف، ووصف وزير الخارجية الفرنسي الرهان على المواقف والوعود الإيرانية بشأن البرنامج النووي بأنها «لعبة غبيّة».

وبهذا يمكننا أن نتحدث عما يسمى «جولة كيري السحرية العجيبة». ولقد صرح يوم 3 نوفمبر في القاهرة بأن «خريطة الطريق لإحلال الديموقراطية في مصر» وصلت الآن إلى المرحلة المفضلة التي كنا ننتظرها».

وساق كيري يوم الثلاثاء الماضي المبررات التي يراها قائمة لإنجاح مؤتمر إحلال السلام في سوريا الذي يدفع باتجاه عقده فقال: «إن نظام الأسد يعلم حق العلم أن الهدف من المؤتمر هو تأليف حكومة مؤقتة. وأن الحكومة السورية وافقت على القدوم إلى جنيف». وسوف تتبع ذلك بالضرورة موافقة الأسد على التخلي عن السلطة. ولكن ماذا سيحدث لو أن الأسد رفض التخلي عن السلطة؟ يجيب كيري بالقول: «عندئذ سوف يتأكد الروس والإيرانيون من أن النظام السوري لن يرحل إلا باستخدام القوة».

وكان من الواضح أن تفاؤل كيري أكبر من أن يجد آذاناً صاغية. وكانت إسرائيل محطته الثانية للقاء نتنياهو ومحمود عباس اللذين كسرا حاجز الصمت ليعلنا بأن المفاوضات التي أقنعهما كيري بإطلاقها في شهر يوليو الماضي قد بلغت نهايتها. وحتى هذه النتيجة لا تدعو إلى القلق في عقلية كيري الذي قال: «أنا على قناعة من خلال مباحثاتي معهما (عباس ونتنياهو) من أن هذه المهمة ليست مستحيلة».

حدث كل هذا قبل رحلة نهاية الأسبوع التي قام بها كيري إلى جنيف من أجل ما عرف فيما بعد أنها محاولة فاشلة لعقد صفقة مع إيران بشأن برنامجها النووي. وكان قد قال في وصفه لهذه المحادثات: «يمكنني أن أقول لكم من دون أي تحفظ بأننا حققنا تقدماً مهماً في هذا الشأن».

ويشير واقع الحال الآن إلى أن الأمور لم تهدأ في مصر، وأن الأطراف التي يمكن أن تربح الحرب في سوريا هي نظام الأسد وتنظيم «القاعدة». والإسرائيليون والفلسطينيون هم الآن على خلاف بسبب مشاريع الاستيطان يفوق ذلك الذي عرفناه قبل نهاية القرن الماضي. وأصبحت الشروط الجديدة المقترحة لعقد صفقة مع إيران تدقّ الأسافين بين الولايات المتحدة وبعض أقرب حلفائها في المنطقة.

ويدعونا هذا كله إلى التساؤل: هل يؤمن كيري بالفعل بطروحاته؟. يبدو أنه مؤمن بها بالفعل وخاصة ما يتعلق منها بالمفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية. ولقد أقنع السيناتور السابق نفسه بأمرين. الأول هو أن نهاية عملية الاستيطان باتت وشيكة. والأمر الثاني يتعلق به شخصياً ومفاده أنه يحتكم على المهارات السياسية الكافية لإقناع نتنياهو وعباس بقبول العودة إلى المفاوضات. وكيري كأوباما، مقتنع بأن تحقيق الانفراج في العلاقة السياسية مع إيران هو أمر ممكن بشرط أن يجلس على مائدة التفاوض بين الطرفين أناس أكفاء (من أمثاله).

وتأتي بقية مواقف كيري كنتيجة منطقية لقرار أوباما القاضي بإحداث تغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط. وقرر أوباما نهاية الصيف الماضي حصر النشاطات السياسية للولايات المتحدة بتلك التي ترتبط بـ(المصالح الأساسية) التي لا تتضمن الدفاع عن الديموقراطية والتصدي للكوارث الإنسانية أو إنهاء الحروب الأهلية التي يشعل أوارها الآخرون. وهذا يعني بكلمة أخرى أن كيري الذي شدّ ذات مرة على عضد المعارضة السورية باعتبار ذلك يمثل طريقة «لتغيير الحسابات السياسية للأسد»، خرج من هذه القضية خالي الوفاض فيما عدا النجاح في التعاون مع روسيا وإيران على إتمام ما بدأته الولايات المتحدة.

ثم إن كيري الذي وجد نفسه الآن في مواجهة قرار أوباما الذي لا يقبل النقض من أن تعاون الولايات المتحدة مع مصر سوف يستمر، كان لا بد له أن يصرّح بأن «الجنرالات» هناك يعملون الآن على ترسيخ أسس الديموقراطية.

وإذا ما كتب لأي حلم من أحلام كيري أن يتحول إلى حقيقة واقعة، فلا بد للعالم أن يصبح في حال أفضل. ولهذا السبب فإنني آمل أن يثبت خطأ مواقف المشككين بإمكان تحقيق هذه الإنجازات النظرية من أمثالي. وإذا لم تتحقق تلك الأحلام على أرض الواقع، فسوف يُذكر وزير الخارجية كيري على أنه كان حالماً ، وسوف يتعين على خلفه معالجة آثار الكثير من «اللخبطات السياسية» التي خلفها وراءه.

المصدر: 
واشنطن بوست