"حماس" تؤنث البروباغندا

بقلم: 

في خطوة بدت غير مسبوقة، أعلنت وزارة الإعلام في حكومة حماس بغزّة تعيين إسراء المدلل، 23 عامًا، ناطقة باسم الحكومة للجمهور الناطق بالإنجليزية. كانت المدلل العارفة بمحددات ومسلكيّات الممارسة الصحافيّة في قطاع غزّة قد تخرّجت من "كلية جرينج" بالمملكة المتحدة، ومن "الجامعة الإسلاميّة" بغزّة، وعملت مراسلة ومترجمة ومقدمة برامج في قنوات فضائيّة مختلفة؛ من بينها قناة "الكتاب" ذات التوجه الإسلاميّ.

إيهاب الغصين، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي، وصّف هذه الخطوة بأنها تأتي لتعزيز وتمكين دور المرأة الفلسطينيّة؛ الأمر الذي يشكل، حسب الغصين، بندًا دائمًا على قائمة أهداف المكتب الإعلامي. وأضاف أنّ المكتب يدرس تعيين ناطقين وناطقات بلغات أخرى لتدعيم قدرة الحكومة على إيصال رسالتها ورؤيتها للقضيّة الفلسطينيّة إلى الجمهور الغربي. 

تحيل هذه الخطوة على جهد حكومة "حماس" المستمرّ في أداء دورها كما لو أنّ كل شيء على ما يرام. تتبّع الحركة سياسة الهروب إلى الأمام بعد الضربة القاسية التي تعرضت لها بإسقاط الرئيس المصري محمد مرسي. يفتتح رئيس الوزراء مشاريع جديدة في أرجاء مختلفة من القطاع، ويتمّ تخريج دفعات جديدة من الكليّة الأمنيّة، ويؤكد الناطقون الرسميّون باسم الحكومة، الذين انضمّت لهم إسراء، بأنّ الحكومة، ومن خلفها الحركة، تتمتّعان بصحة جيّدة.

المدلل صرحت لوكالات الأنباء بعد تسلّمها منصبها الجديد أنها ستعمل على مخاطبة الغرب بالمنطق، بعيدًا من العواطف. وفي حين أنّ مسمّاها الوظيفي يرتبط مصيريًا بالحكومة، إلا أنّها أكّدت أنها ستتحدث "باسم الشعب الفلسطينيّ"، بعيدًا عن الحزبيّة، وستحاول تضمين خطابها ما يلزم ليكون مقبولاً لدى الجمهور الغربيّ "الذكيّ". 
    
الضجّة التي أثارها التعيين، وإن كانت إيجابيّة في معظمها، حالها حال التعيين في حدّ ذاته، إلا أنّها تدلل على عكس ما هو معلن من دور رائد وجهود بنّاءة لحكومة "حماس" من أجل "تعزيز دور المرأة ومكانتها". الحكومة التي اتخذت خطوة إيجابيّة بتعيين المدلل، كانت قد قامت قبل ذلك بأيام، عبر أجهزتها الأمنيّة، بإلغاء فعاليّة لنشر الوعي حول سرطان الثديّ. 

حالها حال كلّ الحركات الإسلاميّة، لا تفهم "حماس" المرأة إلا ضمن سياق دينيّ، وفي ظلّ النصوص ذات العلاقة، الأمر الذي لا يكبح بنيويًا قدرة الحركة على "تعزيز دور المرأة ومكانتها" فحسب، بل ويجعل تعيين شابّة في مقتبل العمر في منصب حكوميّ حدثًا جللاً يستدعي التأمّل، وهو كذلك إلى حدّ بعيد.  

ما ستنجح الحكومة، على الأغلب، في تحقيقه من هذه الخطوة هو تقديم خطاب أكثر حرفيّة للجمهور الغربيّ، وهو الهدف الذي يبدو أكثر واقعيّة ومنطقيّة من هذا التعيين، بعيدًا عن التكرار المملّ لعبارات دور المرأة ومكانتها التي لا تقنع الجمهور الفلسطينيّ؛ الذي هم أهمّ بطبيعة الحال من أيّ جمهور غربيّ.

إسراء المدلل تفهم أنّ هذه مهامها في منصبها الجديد. البيئة المحيطة لن تكون دومًا عاملاً مساعدًا للمدلل في تحقيق تلك المهام، إلا أنّ لهذه الصحافيّة الواعدة من الخبرة والحماسة ما يؤهلها لتكون على قدر المسؤوليّة وتتمثّل بكفاءة حيّزها الدلالي: نقطة بيضاء في صفحة يغلب عليها الأسود.

المصدر: 
المدن