تحقيق دولي في وفاة عرفات؟

بقلم: 

ترفض صورة ياسر عرفات، وهو على باب الطائرة ملوحاً بيده لمن كانوا واقفين أمامه مودعين ولمن شاهده على التلفاز، أن تخرج من الذاكرة. ربما لو علم أحدهم أن الطائرة التي أقلت أبو عمار إلى المستشفى العسكري في باريس، كانت ستوصله إلى الموت، لما سمح  له بالصعود.

كان أبو عمار يرفضُ أن يبدو ضعيفاً أمام خصومه، لا سيّما يوم دخل مقر الأمم المتحدة قبل 39 عاماً خلت من الانكسارات، بسلاحه الشخصي، تزين رأسه كوفية أهل القضية وتقف على زنده الأيمن خصلة من شجرة زيتون. لكن عندما استفحل المرض، كان لا بد له من المغادرة للعلاج. تلك صورة عرفات محاطاً بالمسؤولين، الانحناءة الأخيرة لقائد اختار ان يودع شعبه مبتسماً، رافضاً القول بأنه ضعيف بعدما انهكه المرض الذي تبين له أنه بفعل فاعل.

بعد تسع سنوات من الغموض الذي لف قضية وفاة ياسر عرفات، بدأت الصورة تتضح. إذ يفيد تقرير علماء الطب الشرعي السويسريين، الذي تسلمته أرملة عرفات، سهى، الثلاثاء الماضي، وكشف عنه العلماء السويسريون الخميس، خلال مؤتمر صحافي، بأنهم "عثروا على مقادير تصل إلى 18 ضعف المعدل الاعتيادي من مادة البولونيوم المشع في عيّنات من رفات عرفات"، حسبما كشفت قناة "الجزيرة" التي بثّت مطلع العام 2011 تحقيقاً استقصائياً حول وفاة عرفات، ساهمت فيه زوجته، بعدما سمحت للقناة الإطلاع على سجل زوجها الطبي، ومتعلقاته الشخصية، وملابسه التي كان يرتديها قبل وفاته، والتي تسلمها خبراء سويسريون لفحصها.

التقرير السويسري، والذي صدر في تموز/يوليو العام الماضي، كشف عن وجود مستويات قاتلة من مادة "البولونيوم 210". وفي حين أن التقرير الأول لم يحدد ما إذا كانت المادة فعلاً هي سبب الوفاة، جاء التقرير الثاني ليدعم فرضية أن عرفات قتل بها. وفي لوزان، أكد الخبراء إن التحاليل العلمية التي جرت في سويسرا لا تتيح البت في ما إذا كان البولونيوم سبب وفاة عرفات، فيما اشار خبراء سويسريون الى ان نسبة البولونيوم المرتفعة في الرفات تشير الى تورط طرف آخر. وقال البروفسور فرنسوا بوشو: "لا يمكن استبعاد ذلك"، موضحاً "إن نتائجنا تدعم منطقياً فرضية التسمم".

أول رد فلسطيني رسمي، صدر، الخميس، عن حركتي "فتح" و"حماس"، إذ اتهمت الأخيرة الاحتلال بالوقوف خلف وفاة عرفات. ودعا المتحدث باسم "حماس"، سامي أبو زهري، السلطة الفلسطينية، إلى وقف المفاوضات مع تل أبيب فوراً وإجراء تحقيق في ملابسات الجريمة". بدورها سارعت "فتح" إلى اتهام الاحتلال بالمسؤولية عن وفاة عرفات، وجاء ذلك في حديث عضو اللجنة المركزية، عباس زكي، قائلاً: "نحن نتهم إسرائيل مباشرة باغتيال عرفات".

وطالبت منظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل لجنة دولية في موت عرفات. وقال عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، لوكالة "فرانس برس" الخميس، إن "النتائج اثبتت تسمم عرفات بمادة البولونيوم". وأضاف: "كما تم من تشكيل لجنة دولية للتحقيق في مقتل رفيق الحريري، فيجب ان تكون هناك لجنة دولية للبحث في مقتل الرئيس عرفات، مشدداً على اتهام إسرائيل: "في تلك الفترة كان معروفاً للجميع أن الهدف هو إزاحة عرفات من المشهد السياسي وهو ما سعت اليه اسرائيل والولايات المتحدة.. أصابع الاتهام الان موجهة الى اسرائيل ومن يستطيع اثبات ذلك هو لجنة تحقيق دولية استنادا إلى التقارير والظروف التي احاطت بمقتله".

وأعلن المتحدث باسم حركة "فتح" أحمد عساف لـ"فرانس برس" إن "لجنة التحقيق الفلسطينية (في وفاة عرفات) ستعقد غداً (الجمعة) مؤتمراً صحافيا يتحدث فيه رئيس اللجنة توفيق الطيراوي عن مضمون ومحتوى التقرير في المقاطعة" مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله.

أما أرملة الرئيس الراحل، سهى عرفات، كشفت أثناء استضافتها في أحد البرامج التلفزيونية، أن من قام باغتيال زوجها، هو فلسطيني عميل للموساد الاسرائيلي، وناشدت القائد العام للقوات المسلحة المصرية، عبد الفتاح السيسي، تبني قضيتها، موضحة أن العميل ما زال داخل  الأراضي الفلسطينية.

ربما هيَ مصادفة، إذ كان يوم الخميس من العام 2004 هو موعد إقلاع الطائرة التي أقلت عرفات إلى المستشفى العسكري في باريس، وأن يتكشف سبب وفاته يوم الخميس أيضاً. لكن بعد تسع سنوات، لم تغب خلالها يوماً صورة "الختيار" عن جدران مخيمات الشتات الفلسطينية في سوريا ولبنان والأردن.

المصدر: 
المند