مأزق حماس

بقلم: 

 

ابتهجت حماس بصعود الإخوان المسلمين في مصر واعتبرت انتصارهم في المعركة السياسية ووصولهم إلى سدة الرئاسة انتصاراً لها، وذلك من منطلق المرجعية الإخوانية لها والرباط العقائدي الذي يربطها بالإخوان المسلمين . وشهد الوضع في غزة انفراجاً بسبب زيادة ساعات فتح معبر رفح وكذلك عدد العابرين . وعندما سقط حكم الإخوان المسلمين في مصر مثّل ذلك خسارة كبيرة لحماس خصوصاً أن مشاعر النقمة والتذمر من حكم الإخوان انسحبت على حماس، وانعكس ذلك على الوضع في غزة التي شهدت خناقاً بسبب النقمة والتذمر من حماس . ومما ضاعف من ذلك الوضع الأمني في سيناء وإعلان الجيش المصري الحرب على المجموعات الإرهابية المتطرفة .

وكانت حماس بعد فوز الإخوان في الانتخابات في مصر ووصولهم إلى سدة الرئاسة قد وقفت موقفاً مناوئاً للنظام السوري بعد أن كانت حليفة له على مدى سنوات في إطار ما يعرف بمحور المقاومة ودخلت على الشأن السياسي وأثر ذلك في علاقتها بإيران التي كانت تربطها بها علاقات وطيدة .

ربما يتطلب منها مراجعة حساباتها . صحيح أن نظام مبارك كان مناوئاً لها من منطلق مناوئته للإخوان، وكانت تواجه وضعاً صعباً انعكس على الوضع في غزة . ولكنها كانت مرتكزة على وجودها في سوريا، وعلى مساندة إيران . وهي اليوم تواجه وضعاً لا تحسد عليه . فمن العسير عودتها إلى المحور الذي كانت تنتظم فيه وربما بدا الوضع في مصر أشد مناوأة لها بحكم الغضب الشعبي العارم الذي أسقط الإخوان نتيجة سوء الوضع الاقتصادي وغير الاقتصادي في مصر إبان حكم الإخوان .

إن الفلسطينيين عبر حقب التاريخ تضرروا في كثير من الأحيان بسبب مواقف سياسية لبعض قياداتهم . ومن الأحرى بالقيادات الفلسطينية والحركات الفلسطينية أن تنأى عن الشأن السياسي لأي قطر عربي خصوصاً في ظل الأحداث الجسام التي تمر بها بعض الدول العربية . ذلك أن التدخل في الشأن السياسي العربي واتخاذ مواقف سياسية، يلحق ضرراً كبيراً بقطاع من الشعب الفلسطيني، ويسيء إلى القضية الفلسطينية، وكان الأحرى بحماس أن تتخذ العبر من دروس التاريخ، وألا تتدخل في الشأن السياسي لأي قطر عربي، أو اتخاذ مواقف سياسية تجاه أي قطر عربي، وأن تفعل كما فعلت حركة الجهاد الإسلامي مثلاً لكي لا يتأثر حضورها ووجودها، وألا يتضرر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بسبب تلك المواقف، وينعكس ذلك على وضعه المعيشي والاقتصادي .

ويبدو أن علاقة حماس بمصر في عهد مبارك، كانت عبر المخابرات المصرية، وربما يستمر هذا الوضع، ولكن الوضع في مصر تغير تماماً، والمناوأة لحماس ليست قاصرة على النظام الرسمي، وإنما على المستوى الشعبي أيضاً .

وهكذا تكون حماس قد جرّت على غزة وضعاً قاتماً يؤثر في المستوى المعيشي والإنساني من جراء الحصار وهدم معظم الأنفاق الذي يبرره التصعيد الأمني في سيناء، والحرب التي يشنها الجيش المصري على المجموعات الجهادية المتطرفة .

ربما يرى البعض أن خسارة حماس بما آل إليه الوضع في مصر يمثل كسباً لفتح . وقد يكون ذلك صحيحاً في وقت بدت فيه المصالحة معلقة وانخرط الطرف الفلسطيني في مفاوضات مع الكيان الصهيوني تحت وطأة ضغط أمريكي قفز على الشروط الفلسطينية وأهمها شرط وقف الاستيطان . وربما تشعر فتح أنها في موقف فلسطيني أقوى ولكنها في موقف تفاوضي أضعف بسبب الصلف الصهيوني والانحياز السافر للإدارة الأمريكية التي تنظر إلى القضية الفلسطينية بعيون صهيونية .

ولعل فتح ذاتها تحملت وزر مواقف عبر حقب التاريخ في كل من الأردن ولبنان والكويت وتضرر قطاع واسع من الشعب الفلسطيني من جراء تلك المواقف، ولكن يبدو أنها استفادت من تلك التجارب المريرة والتزمت النأي عن اتخاذ مواقف  سياسية إزاء الأحداث في سوريا أو مصر أو غيرهما .

وربما تستفيد حماس من هذه التجربة المريرة التي تمر بها وتنأى عن اتخاذ مواقف سياسية إزاء أي قطر عربي أو أي حدث عربي . وعلى حماس أن تجعل رقم القضية الفلسطينية هو الثابت في المعادلة الوطنية، وهو الهدف الذي يجب أن تتوجه إليه بوصلة الموقف الفلسطيني والعمل الفلسطيني .

وإذا كانت فتح قد استفادت وأخذت العبر من تجارب مريرة عبر حقب التاريخ دخلت فيها على الشأن السياسي في أكثر من قطر عربي واتخذت مواقف جلبت ضرراً كبيراً على قطاع من الشعب الفلسطيني وعلى القضية الفلسطينية، فإن حماس قد تستفيد من التجربة المريرة التي تمر بها والتي كانت نتيجة مواقف سياسية إزاء أحداث عربية في مصر وسوريا جلبت معها الكثير من الضرر على قطاع من الشعب الفلسطيني، وعلى القضية الفلسطينية .

 
المصدر: 
الخليج