«محور المقاومة» انتهى مخلفا توترا في العلاقات بين أميركا والعرب

بقلم: 

أنتجت الأعوام العشرة التي تلت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية ضد الولايات المتحدة، خرافتين أصبحتا تحددان الثقافة السياسية الأميركية والعربية، هما «محور الشر» و«محور المقاومة». وهذان الوهمان اللذان تخلى عنهما واضعوهما بعد ذلك، أثبت تطور الأحداث أنه لا معنى حقيقيا لهما. ومع ذلك، تستمر الأفكار المؤدية لهما في الانعكاس على العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي، في صورة رفض بعض المفاهيم الأساسية واستعادة مفاهيم أخرى. انتهى هذان المحوران، على الأقل في الوقت الحالي، بيد أن مظاهر التوتر التي جسداها ما زالت قائمة، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات الأميركية مع جماعات، وليس مع دول، وعلى رأس هذه الجماعات حماس وحزب الله.

في خطاب حالة الاتحاد، في 29 يناير (كانون الثاني) عام 2002، وصف الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش إيران والعراق وكوريا الشمالية بـ«محور الشر»، واتهمه بدعم الإرهاب الدولي، والسعي إلى نشر أسلحة دمار شامل. استدعت العبارة دلالتين رئيستين في الثقافة السياسية الأميركية:

الأولى، أعادت إلى الأذهان «دول المحور» في الحرب العالمية الثانية: ألمانيا النازية، واليابان الإمبريالية، وإيطاليا الفاشية.

أما الثانية، فهي ترديد وصف الرئيس رونالد ريغان للاتحاد السوفياتي بـ«إمبراطورية الشر».

شكك كثيرون، منذ لحظة البداية تقريبا، في مدى ترابط هذه التركيبة. خاضت إيران والعراق، في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، حربا استمرت عشر سنوات، قتل فيها مليون شخص على الأقل، وكانت العلاقات بينهما أسوأ ما يمكن. ولم تتقارب أي من الدولتين مع كوريا الشمالية على نحو خاص. وبدت فكرة أن هذه الثلاثية تشكل أي نوع من «المحور» - وهي كلمة تشير بقوة إلى وجود تحالف – الذي يعمل تهديدا عالميا غير واقعية، إن لم تكن سخيفة. تأثر هذا المفهوم كثيرا عندما استخدم مبدئيا، كإطار لتبرير غزو العراق عام 2003 واحتلاله، حين تكرر ذكر الغزو، كرد فعل على هجمات 11 / 9، على الرغم من أن حكومة صدام حسين لم تكن على صلة بتنظيم القاعدة بأي حال.

لم يكن هناك معنى على الإطلاق لـ«محور الشر» من الناحية السياسية أو الاستراتيجية. ولكنه عكس بدقة الحالة العاطفية للشعب الأميركي: لقد واجهتهم قوة الشر التي اعتقدوا أنها لا تستطيع أن تأتي ببساطة، من مجموعات.

لم تخضع فكرة أن أقرب جهاز تابع لدولة ما، يمكن أن يتورط في مثل هذه الهجمات، لدراسة جادة إلا في فترة لاحقة، حين ظهر احتمال تورط عناصر داخل وكالة استخبارات الحليفة القديمة، باكستان، فيما كان يجري. واستمرار هذا التورط حتى بعد مقتل أسامة بن لادن في مدينة أبوت آباد العسكرية الباكستانية، التي تحيط بها نخبة الجيش والاستخبارات الباكستانية. ومع ذلك استمر الحديث عن هذا الاحتمال يتردد في همسات خافتة في واشنطن العاصمة.

هكذا كانت فترة صلاحية مفهوم «محور الشر» قصيرة للغاية في السياسة الأميركية. ونادرا ما كانت كلمة «محور الشر» تذكر من دون أن تسبب حرجا، لأنها كانت عبارة فظة، كما أنه لم يكن لها معنى استراتيجيا. علاوة على ذلك، تعتبر العملية الأساسية التي أدت إليها هذه العبارة - الفشل العراقي - كارثة على مستوى العالم.

من جهة أخرى، أثبت مفهوم «محور المقاومة» المضاد، أنه أكثر قدرة على الاستمرار في الثقافة السياسية في الشرق الأوسط. ويبدو أن العبارة صيغت في عام 2002 أيضا، في رد مباشر على خطاب بوش، على صفحات الصحيفة الليبية «الزحف الأخضر». بعد ذلك استخدمت هذه العبارة على نطاق واسع في الخطاب الإيراني، فيما يخص مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق في السنوات التالية. واكتسبت العبارة مزيدا من الجاذبية بعد الهجوم الإسرائيلي على لبنان في يوليو (تموز) 2006، الأمر الذي عزز من شعبية حزب الله وزعيمه السيد حسن نصر الله في جميع أنحاء العالم العربي.

ولكن نظرا لتركيز خطاب التحالف الذي تقوده إيران (وبالتالي الشيعة) على استغلال عبارة «محور المقاومة»، ثبطت حماسة كثيرين من العرب السنة. غير أن ما رسخ الفكرة في جانب كبير من الثقافة السياسية العربية لفترة قصيرة، كان الهجوم الإسرائيلي على غزة عام 2008 - 2009. وضع هذا الاعتداء حركة حماس في مقدمة «محور المقاومة»، وبذلك تقوض المفهوم الذي كان بالضرورة وسيلة السياسة الخارجية الإيرانية والمصالح الطائفية الشيعية.

في الواقع، تعززت قوة مفهوم «محور المقاومة» الذي يمكن أن يجمع بين تحالف تقوده إيران، ويتألف أساسا، من قوى غير سنية مثل النظام السوري وحزب الله، مع حركة حماس، أحد فروع الإخوان المسلمين، أثناء الهجوم الإسرائيلي على غزة. جرى التغلب على جزء كبير من الخلاف الطائفي الذي كان قائما في العقود السابقة لفترة وجيزة، لأن أعدادا كبيرة من العرب السنة تبنت فكرة أنه يمكن من الناحية السياسية، أن تكون حماس عضوا في تحالف تقوده إيران، وأن تكون تنظيما أساسيا في جماعة الإخوان المسلمين. ولعل هناك ميزة في خطاب طهران، هي أنها تقود «محور المقاومة» ضد إسرائيل، حيث ساهم في تهدئة قطاع كبير من الرأي العام العربي السني حيال صعود قوة فارسية وشيعية في المنطقة، ولا سيما تحت عنوان أنها تقود الصراع ضد إسرائيل.

كل ذلك كان وهما. كانت إيران تستغل حماس وحزب الله، وتدعي أنها زعيمة المقاومة. بل كانت تنكر «الهولوكوست» للمزايدة على الجميع لتصبح بطلة الفلسطينيين. وحتى بعد مرور أشهر على الحرب على غزة، كانت متابعة انهيار هذا الوهم ممكنة، حين بدأ العرب يتذكرون أن مصالحهم ومصالح إيران ليست متشابهة. غير أن اضطرابات الربيع العربي، ولا سيما اندلاع الحرب في سوريا، ساهمت في فضح لا معقولية «محور المقاومة» أمام قطاع أكبر من الرأي العام العربي.

أجبر الصراع السوري حماس على الاختيار بين الامتيازات التي تحصل عليها من تحالفها مع إيران وحزب الله وسوريا، بوجه خاص، حيث المقر الرئيس لمكتبها السياسي، وحيث استثمرت في سوريا معظم أموالها، وبين هويتها الأساسية كتنظيم إسلامي سني. وفي ظل وجود جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، لاعبا أساسيا في الثورة ضد بشار الأسد، لم يكن في استطاعة حماس البقاء على الحياد. وفي النهاية لم يكن أمامها من خيارات سوى إعادة التأكيد على انتمائها إلى الإخوان المسلمين، مما يعني مغادرة سوريا كلية، والبدء في كفاح مستمر للعثور على مقر آخر ورعاة جدد.

* العلاقات الأميركية مع حماس وحزب الله

* اتسمت علاقة الولايات المتحدة الأميركية بكل من حماس وحزب الله بالعداء، لكنه عداء مختلف. فالخلافات بين واشنطن وهذين الفصيلين اتسمت بالتعقيد لدرجة أن كثيرا من الأميركيين، يذكرون حماس وحزب الله في وقت واحد، ويشيرون إليهما معا وكأنهما كيان واحد أو يشبهان بعضهما البعض، وهذا ما يحدث كثيرا في الولايات المتحدة. ويؤشر هذا إلى جهل عام بتفاصيل هذه السياسات في المنطقة. لكن السمة المحددة للعلاقات مع كل من الجماعتين واحدة: كلتاهما مدرجتان ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، منذ أن أصدرت وزارة الخارجية الأميركية أول قائمة لهذه المنظمات في عام 1998، وفقا لقانون صدر عام 1996 يجرم تقديم أي «دعم مادي» إلى مثل هذه المنظمات، متضمنا أي مساعدات غير قاتلة أو مشروعة.

* لبنان دولة «صديقة» مؤقتا

* رغم ذلك، لا تتشابه السياسات الأميركية تجاه حماس وحزب الله. يشارك حزب الله في تشكيل جميع الحكومات اللبنانية منذ تطبيق قانون عام 1998. وطوال هذه الفترة كانت السياسة الأميركية بسيطة: تعتبر الولايات المتحدة لبنان دولة «صديقة» (بصورة مؤقتة)، وتقدم المساعدات إلى الحكومة على الرغم من وجود وزراء من حزب الله بين أعضائها. ولكن المسؤولين الأميركيين لا يتقابلون مع وزراء حزب الله أو نوابهم في البرلمان سواء رسميا أو غير ذلك، أو يتعاملون معهم.

اختلف الأمر بعض الشيء، عندما تمتعت السلطة الفلسطينية بفترة قصيرة من التعايش بعد فوز محمود عباس في الانتخابات الرئاسية عام 2005، التي حققت بعدها حماس، أغلبية برلمانية في انتخابات عام 2006. أدت هذه الفترة من التعايش بين الرئيس الذي ينتمي إلى حركة فتح وبرلمان أغلبيته من أعضاء حماس، ما بين عامي 2006 و2007، إلى سلسلة من العقوبات المدمرة التي نفذتها الولايات المتحدة واللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط بالإضافة إلى إسرائيل. جرى رفع هذه العقوبات عن السلطة الفلسطينية في رام الله بعد الانفصال الذي وقع بين غزة والضفة الغربية صيف عام 2007، فيما استمر تضييق العقوبات على حماس.

لم تضع الولايات المتحدة إطارا خاصا لحزب الله يمكن أن يعتبر من خلاله طرفا ذا شرعية. فهو أداة لطهران، كما هو مفترض، والعلاقات معه تعتمد في الأساس على العلاقات الأميركية الإيرانية. وفي الموقف اللبناني، يمكن لواشنطن تحمل حزب الله ولكن يتم تجاهله. وفي حالة الصراع المباشر بين إسرائيل وحزب الله، تقف أميركا ثابتة إلى جانب إسرائيل، ولكن في إطار من التصرفات المقبولة ولفترة زمنية محدودة.

على جانب آخر، وضعت حماس داخل إطار واضح للغاية بواسطة الولايات المتحدة واللجنة الرباعية. ولاكتسابها «شرعية» يتوجب عليها: نبذ العنف وقبول اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، أو على الأقل تبني حل الدولتين، وقبول الالتزامات المنصوص عليها في اتفاقيات منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل. وهذه بالضرورة أيضا، هي الشروط التي وضعتها منظمة التحرير أمام حماس ليصبح من الممكن اعتبارها عضوا إضافيا في المنظمة.

لكن «حماس» لا تستطيع الموافقة على هذه الشروط، من دون أن تفقد الاختلاف الرئيس بينها وبين فتح: إنها تتخذ موقفا أكثر حدة تجاه إسرائيل. بخلاف ذلك سوف يصبح للحركتين هدف واحد لتحرير وطنهم - حل الدولتين مع إسرائيل - وسوف تصبح ميزة حماس الرئيسة هي اتجاهها الإسلامي المحافظ. وهذا غير مرجح أن يصبح مسار الأغلبية بين الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، تزايد حركة الجهاد الإسلامي على حماس في حقها السياسي والديني، وهي الجماعة التي تحتفظ بعلاقات قوية مع إيران.

حاولت عناصر داخل حماس، من بينها السياسي محمود الزهار، وقائد الجناح العسكري مروان عيسى، الحفاظ على العلاقات مع إيران. وقد حققت تلك العناصر، نجاحا إلى حد ما، على الصعيد العسكري. ومنذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق، محمد مرسي، وهم يحاولون استعادة العلاقات السياسية. فقد وجدت حماس نفسها أكثر عزلة من أي فترة مضت، بعد رحيل مرسي. ومما يبعث على الحرج، أنها تعتمد على إسرائيل في جميع الإمدادات والاحتياجات الأساسية لقطاع غزة، بالإضافة إلى الاعتماد على رام الله في سداد رواتب معظم الموظفين العموميين.

من غير المرجح أن تتحسن العلاقات الأميركية مع كل من حماس وحزب الله، على الرغم من الاختلاف بينهما، طالما بقيت الجماعتان على «قائمة الإرهاب». وكما أشرنا فيما سبق، يتم استيعاب العلاقات مع حزب الله في سياق التوازن اللبناني العارض بين عناصر غير مستقرة، وهو توازن تدعمه الولايات المتحدة عموما. وفي هذا الصدد، تتحمل أميركا حزب الله ولكنها تبقيه على مسافة بعيدة. أما حماس، فأمامها مسار واضح للشرعية، ولكنها لا تستطيع أن تسلكه.

أسفر صعود أحزاب جماعة الإخوان المسلمين في المجتمعات العربية بعد سقوط الأنظمة الديكتاتورية - وبخاصة في مصر وتونس، وبدرجة ما في ليبيا - عن تحول غير متوقع في أسلوب واضعي السياسات في واشنطن تجاه الإسلاميين الذين لا يتسمون بالعنف، بدءا بزعيم حركة النهضة التونسي راشد الغنوشي. جرى الترحيب بمجموعة كبيرة من الإسلاميين من شمال أفريقيا في أبرز مراكز الأبحاث والمعاهد الأميركية. كما عوملوا باحترام، وجرى تجنيبهم الأسئلة الصعبة. ولم يستقبلوا كأشخاص غير مرغوب فيهم، كما كانوا منذ أعوام، بل استقبلوا كضيوف مكرمين. ويبدو أن كثيرا من «الخبراء» الأميركيين، اعتقدوا أن الإسلاميين، وبخاصة الإخوان المسلمين، يعبرون عن تمثيل «حقيقي» للرأي العام الذي تؤمن به الأغلبية السنية العربية، والوجه الجديد «الشرعي» للسياسة العربية في عصر ما بعد الأنظمة الديكتاتورية.

بالطبع لم تكن حماس من ضمن هذه المجموعة، نظرا لاتجاهاتها العنيفة وإدراجها على «قائمة الإرهاب». وكانت الرؤية الصحيحة لحزب الله أنه يعمل في مساحة تتقارب أكثر مع إيران. لكن بعض الأصوات المهمة التي تمثل أقلية متنامية، وبعضها مؤثر، أكدت على شرعية حماس والحاجة إلى إشراكها في أي صيغة لعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

* سقوط الإخوان

* يدرك معظم المحللين الأميركيين، وبالتأكيد الحكومة الأميركية، أنه لا يمكن أن يكون للفلسطينيين «طرفان شرعيان» يمثلانهم دبلوماسيا. لكن بعض واضعي السياسات الأميركيين، أصبحوا مفتونين بأحزاب جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها «شرعية» و«حقيقية»، إلى درجة دفاعهم عن قضية حماس. أصاب سقوط حكومة مرسي في مصر، بعد أقل من عام، أمام تأييد شعبي وهتاف هائلين، ارتباك كثير منهم، إذ أسقط فرضيتهم بأن معظم العرب إذا نالوا حرية انتخاب من يمثلهم، سوف يرغبون في النهاية في حكم الإسلاميين وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين.

انتهى وهم «محور المقاومة» في المستقبل المنظور، ليحل محله في الشرق الأوسط، مشهد سياسي مختلف للغاية. لم يعد ممكنا لجماعة مثل حماس، أن تكون فرعا في جماعة الإخوان المسلمين، وفي الوقت ذاته جزءا من التحالف مع إيران. أحد أهم تأثيرات ذلك هو مزيد من الاختلاف في السياسة الأميركية تجاه حماس وحزب الله. كما أشرنا، وسيظل حزب الله في نظر الولايات المتحدة، سواء في لبنان أو سوريا أو في الصراع مع إسرائيل، امتدادا لإيران. وسوف يعتمد مستقبل العلاقة بين أميركا وحزب الله، على نتيجة التعامل الأميركي الإيراني في قضية السلاح النووي وقضايا أخرى مهمة.

ومن المرجح أيضا أن يعتمد مستقبل العلاقات بين حماس وأميركا إلى حد كبير على ماهية الأطراف التي سوف تكون رعاتها الأساسيين إلى جانب سلوك حماس ذاتها. لا يمكن أن تصبح الحكومة المصرية الحالية أكثر عداء تجاه حماس مما هي عليه الآن. كذلك يبدو من غير الممكن إقامة تقارب واسع بين حماس وإيران. ويمكن أن يلطف الرعاة المحتملون مثل قطر أو تركيا أو الأردن، من عدوانية سلوك حماس، ولكن من المستبعد أن يقنعوا الحركة بقبول شروط اللجنة الرباعية. لذلك من المرجح أن تظل الحركة على «قائمة الإرهاب» وسوف تتعامل الولايات المتحدة مباشرة مع الفلسطينيين من خلال منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية.

يقضي الموقف الأميركي في الأساس، بأن «المقاومة» العنيفة ضد إسرائيل أو أهداف أو مصالح أميركية في المنطقة غير مقبول، وهذا لن يتغير. إذا تغيرت الحقائق الاستراتيجية في المنطقة بما يكفي، قد يصبح ممكنا تصور احتمال إعادة بعث «محور المقاومة»، حتى إذا حلت حركة الجهاد الإسلامي محل حماس، أو قد تسعى فصائل متطرفة عنيفة داخل جماعة الإخوان المسلمين، بعد تخلصها من وهم الديمقراطية والسياسة، إلى نوع من التحالف مع إيران وعملائها. ولكن في الفترة الحالية، يبدو هذا احتمالا بعيدا على أفضل الأحوال.

غير أن الولايات المتحدة، لا ترفض صراحة «مقاومة» الاحتلال الإسرائيلي. وتعتبر الاحتجاجات غير العنيفة مشروعة، كما أنها تكتسب زخما. ولا تعارض واشنطن حركات المقاطعة، لا سيما تلك التي تستهدف الاحتلال أو المستوطنات - مثل إرشادات الاحتلال الجديدة في الاتحاد الأوروبي، ولكن ليست مقاطعة إسرائيل ذاتها.

في إيجاز، طالما اعتبرت «المقاومة» مرادفا لـ«الإرهاب»، سنظل أمام المواقف الأميركية التي يحددها عالم ما بعد 11 سبتمبر ، وهكذا تصبح هذه المقاومة مرفوضة من دون تفكير.

ولكن في الثقافة العربية السياسية، لا تزال هناك مساحة خالية يملؤها «محور المقاومة» على نحو زائف: ليس سعيا إلى الهيمنة الإيرانية أو الإرهاب، بل حملة نشيطة لمكافحة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة منذ عام 1967. وهنا تظهر فرصة حقيقية لمن يستطيع الاستفادة من حشد التأييد الشعبي الذي يتجنب الإرهاب، ولكنه يواجه الاحتلال بمقاومة فعلية قوية غير عنيفة وسلمية حقا.

المصدر: 
الشرق الاوسط