فلسطينيو ضبية ينتظرون الطرد

بقلم: 

ما وراء الفندق الفخم المشرف على ضبية، مخيم لجوء فلسطيني منسي خلف التلال المطلة على البحر. مخيم ظل لفترة طويلة حلم أي لاجىء. ظن كثر أنه الجنة الموعودة، وان اوضاعه الإجتماعية والإنسانية والسياسية مختلفة وأفضل. لكن، الواقع على الأرض مختلف تماماً. مخيم صغير يسكنه نحو 3500 نسمة (مسيحيون) لا يتمتع حتى بما تتمتع به المخيمات الأخرى. فقر وعوز، والجديد: تضييق كنسي بغية إزالته وإستعادة الأرض التي يملكها دير مار يوسف التابع للرهبنة اللبنانية – المارونية.

الأسبوع الماضي خرج المخيم الى بقعة الضوء. الأهالي وقفوا حائلاً دون هدم ما بنوه بعد قرار وزير الداخلية والبلديات مروان شربل بإزالة المخالفات. قرار إستغلته الرهبنة و"بهرته" لتتحرك الدولة ومؤسساتها من أجل إزالة غرفة لجوء. تأجل قرار الهدم الى  الثلاثاء المقبل لمزيد من المشاورات "الشكلية" فيما التنفيذ وحده مؤكد.

ما يصح على الأراضي اللبنانية لا يصح على المخيمات. وفق القانون لا يمكن للفلسطيني أن يرمم منزل اللجوء أو ان يبني او يتملك. المباني القديمة المهترئة فرضت واقعاً على الأهالي للمخالفة. لا خيار أمامهم بما أن القانون لا يؤمن لهم أدنى مقومات العيش بكرامة انسانية. رغم ذلك ما يسمى بالمخالفات تقع كلها ضمن إطار المخيم الذي تديره الأنروا فقط، ولا يوجد أي مخالفة خارج إطاره.

بعد الإحتجاج وتدخل السفارة الفلسطينية والفصائل، اتفق بعد إجتماعات واتصالات مكوكية على تأجيل الهدم الى الخامس من الشهر الحالي لمزيد من التباحث وتشكيل لجنة لمتابعة الملف. تأجيل لن يأخر القدر المحتم للعائلات التي تعيش في غرف لجوء قسري. بعض الأهالي يأمل  ان يتم بحث كل حالة على حدة، فتستثنى الحالات الإجتماعية الصعبة ويتم التعاطف معها وينفذ القرار على بعض الحالات الشاذة التي نفذت المخالفات لأغراض مالية ومنها من أجر فعلاً بيته وغادر. حالات إستثنائية يعترف الأهالي بوجودها، لكن الرهبنة ترى في الإستثناء قاعدة وتعمّم.

في المقابل، تعترف مصادر فلسطينية مطلعة ان الوضع صعب وان الأنروا اعدت تقريرا مفصلاً عن كل حالة على حدة لتوضيح الدوافع الإجتماعية والإقتصادية وتقديمها الى قائمقام المتن مارلين حداد التي بدورها سترفعه الى وزير الداخلية والبلديات، لكن المصادر تجزم: "لن يتغير شيء. القرار سينفذ والهدم قائم"، لتستدرك "ممكن إستثناء بعض الحالات المعدودة لا أكثر".

بعض البيوت في المخيم أضحت بحاجة ماسة الى الترميم. بعضها آيل إلى انهيار سقفه على رؤوس ساكنيه خلال اي عاصفة مقبلة. بعض آخر سيتحول الى مستنقعات في الشتاء القريب العاجل. أكثر من 200 منزل أو شبه منزل في حاجة ماسة إلى الترميم. الأنروا قدمت منذ 14 سنة طلب ترميم 25 منزلاً بعد أن تأمن التمويل اللازم لكن إلى اليوم لم تبت الدولة اللبنانية بشأنها.

المخيم الذي يسكنه لاجؤون فلسطينيون مسيحيون، ظنوا ان اقامتهم في "عرين المسيحية" في الشرق قد يحسن أحوالهم، ويزيل عنهم صبغة اللجوء، وان في الشكل. الواقع مختلف. من حرك الموضوع وفق أهالي المخيم هو دير الرهبنة التي تملك الأرض المستأجرة بقيمة 73 ألف ليرة لبنانية فقط لا غير. مبلغ لا يلبي طموحات الدير، ويستفزه. خصوصاً ان المنطقة تحولت الى نقطة جذب عقاري لقربها من فندق فخم، حيث ارتفع سعر المتر الواحد فيها الى 2500 دولار، هذا في ظل وجود المخيم الذي ان ازيل سيتضاعف السعر.

كثيرة هي "الخبريات" عن مساعي الدير، تتراوح من دعاوى قضائية من اجل رفع إلإيجار، إلى مواقف علنية تدعو الى نقل او إزالة المخيم. أما الأنروا المتكفلة بدفع قيمة بدل الأيجار ترفض ذلك رفضاً قاطعا. الطرح الأول ترى أنه يفتح عليها أبواباً مغلقة، خاصة أن معظم المخيمات الفلسطينية مستأجرة من الوقف الماروني او الأرثوذكسي، ورفع الإيجار او تعديله سيؤدي الى رفع إيجارات كل المخيمات وبالتالي لن تكفي موازنة الأنروا حتى لدفع بدلات الإيجارات خاصة أنها عقود تجدد كل سنة وصاحب الملك لا يملك حق الطرد. الطرح الآخر ترفض الأنروا حتى بحثه مع الدير او مناقشته، لأن إلغاء المخيم يخسر الفلسطيني حق اللجوء.

الكنيسة المارونية التي تذكر دوماً انها الأب الحاضن لكل الكنائس المشرقية، وتحاول ان ترفع لواء تثبيت المسيحيين في الشرق، تضيق على الفلسطينيين المسيحيين حيث مهد الديانة، لتتحول الى نمط آخر من "حيتان المال" وفق وصف أحد الأهالي.

جهات عديدة تواصلت مع بكركي التي تترك الموضوع للوصي على الأرض وتتلكأ، بحسب مصادر المخيم، التي لا تخفي أن بعض الأطراف المارونية تبدي تعاوناً كبيراً، لكن في النهاية الوصي على الأرض له الكلمة الفصل وهذه حجة بكركي. حتى السفير البابوي تدخل أكثر من مرة لتخفيف الضغط عن المخيم لكن من دون الوصول الى نتيجة.

موقف الدير السلبي من أبناء الديانة الواحدة والمحاولات الحثيثة لإستعادة الأرض، انعكست على سبل التعاون بين الدير بوصفه مالك الأرض، وبين الجهات المعنية في المخيم. مشاكل المخيم الإقتصادية والإجتماعية لا تعد ولا تحصى. أبرزها عدم وجود مدرسة لأبناء المخيم. أحد الحلول التي طرحت ولا تزال قيد البحث هي ترميم المدرسة المهدمة بمحاذاة المخيم والتي تقع عقاريا خارجه. الأرض المستأجرة من قبل الأنروا طُرح ترميم المباني فيها والمملوكة من قبل البعثة البابوية بمواصفات مدارس الرهبنة وتقديم الأرض لها، مقابل تعليم الطلاب الفلسطينين فيها من دون مقابل. لكن لم نصل بعد الى نتيجة، تقول المصادر.

الداخل الى المخيم قد يظنه إحدى الضواحي الفقيرة. لا شعارات سياسية كما بقية المخيمات، لا حواجز. لا سلاح. أمّا الوضع الإقتصادي فهو اقل من بقية المخيمات. لا حضور لأي جهة. فقط الأنروا بمساهماتها الضعيفة والشحيحة.

الفلسطينيون - المسيحيون في المخيم المهمش يرفضون الحديث عن الفصائل. "مرتاحون هيك وبلا وجع راس" يقولون. مشاكلهم تتمحور حول الشق الإقتصادي والإجتماعي فقط. عتبهم كبير على أبناء الكنائس الأخرى خصوصاً الراعية لكل كنائس الشرق أي بكركي. كثيرة هي الجهات التي توجهت الى بكركي من أجل ان تلتفت الى المخيم من دون أن يلقوا آذاناً صاغية. اليوم يعيد ابناء المخيم الكرة. يقولون: "نستعد لزيارة بكركي مجدداً لبحث ملف ما يسمى المخالفات وتخفيف ضغط الدير علينا. نأمل أن تستمع لنا بكركي وتنظر أيضاً في وضعنا الإقتصادي والمعيشي السيء". أحد أبناء المخيم يختصر: "نحنا مش موارنة، وكلنا مش مناح بحق بعض".

المصدر: 
موقع المدن