هل مصر بصدد الإطاحة بحماس في غزة؟

بقلم: 

 

يوم 11 تشرين الثاني، الذي يصادف الذكرى السنوية التاسعة لوفاة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ستنطلق في قطاع غزة حملة احتجاج تم التحشيد لها عبر الإنترنت ودعت لها حركة تدعى "تمرد". وتستند هذه المجموعة إلى حركة "تمرد" المصرية التي تسببت في عزل الرئيس المصري مرسي، وتستهدف الإطاحة بحزب حماس الإسلامي الحاكم في القطاع الساحلي بالطريقة نفسها.

منذ انتزاعها السلطة في غزة من أندادها في حركة فتح في العام 2007، لم تكن حماس أبداً بعيدة عن أي حملة تستهدفها، ونجحت دائماً في سحق الانشقاق قبل أن يتمكن من أن يصنع عناوين الأخبار الدولية. ومع ذلك، يبدو الأمر هذه المرة مختلفاً. وتفتخر حركة "تمرد" في غزة، ليس فقط بأنها تضم بين عشرات الآلاف من المؤيدين المتنوعين والملتزمين، وإنما بأنها تحظى أيضاً بدعم أكبر دولة في العالم العربي، والتي يقوم عسكريوها الأقوياء سلفاً بتحطيم اقتصاد غزة، ولا ينطوون على أي نية لتخفيف قبضتهم. وقد بلغ التوتر مع حكومة مصر الجديدة منحى بالغ السوء لدرجة أن وسائل الإعلام المصرية المحلية أوردت في تشرين الأول الحالي أن توغلاً عسكرياً مصرياً في غزة تحت راية محاربة الإرهاب قد يقع في المستقبل المنظور.

حتى بالنسبة لمنطقة تفرخ المؤامرات، فإن تحقق الإشاعات عن عملية عسكرية مصرية في حقل الألغام السياسي الذي يشكله قطاع غزة يبقى بعيد المنال. وتزيد الإجراءات غير العسكرية التي تتخذها مصر مع ذلك من المخاوف لدى قيادة حماس من أنها تجري الآن عملية هندسة وضع نهاية لحكمها في غزة.

نظراً لميل عسكري مصري حديث نحو سحق الاحتجاج في شبه جزيرة سيناء، لم يتبق سوى أقل من 20 نفق تهريب عامل أسفل نقطة العبور الحدودية في رفح. مقارنة مع ما يقرب من 1200 نفق كانت هناك قبل الثورة المصرية (أو الانقلاب). وقد كلفت العوائد المفقودة من عمليات الأنفاق حماس أكثر من ثلث موازنتها، بينما كلفت اقتصاد غزة ملايين الدولارات كل شهر. وفي شهر آب، تلقى 77 % فقط من موظفي حماس في القطاع المدني والبالغ عددهم 50.000 موظف أجورهم الكاملة، وهو رقم يتوقع أن يرتفع في ضوء تدهور الاقتصاد. وتسبب فقدان إمدادات النفط الرخيص القادم عبر الأنفاق بطوابير أطول عند محطات الوقود، وجعل سفن الصيد راسية في ميناء مدينة غزة، وأجبر محطة الكهرباء الوحيدة في غزة على زيادة تقنينها، مهدداً بزيادة أوقات قطع التيار الكهربائي إلى 16 ساعة في اليوم.

التبرير العسكري المصري وراء إقفال الأنفاق والحدود بسيط: حماس والمتشددون الآخرون في قطاع غزة يساعدون مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي في شن حملة إرهاب ضد الدولة.

تبقى مخاوف القاهرة مفهومة. فبعد كل شيء، تعد حماس امتداداً لحركة الإخوان المسلمين، ولطالما تصرفت صراحة كوكيل لإيران -في تجسيد لكل شيء يعارضه العسكريون المصريون العلمانيون المتعاطفون مع الغرب. وبمرور الأعوام، أفضت رغبة حماس في تجميع آلاف الصواريخ والأسلحة لمقاتلة إسرائيل إلى تنشيط السوق السوداء، مما زعزع الاستقرار في شبه جزيرة سيناء وأغرى الكثير من المواطنين المحليين البدو بالانقلاب على الحكومة المصرية لصالح التطرف الإسلاموي والجريمة المنظمة. وفي الأثناء، لم تجعل حكومة مصر الجديدة امتعاضها من حماس سراً. وفي العديد من المناسبات، قال المسؤولون المصريون إن حزب فتح، الند اللدود لحماس والذي يهيمن على السلطة الفلسطينية، هو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وأصبح التعاون بين حركة "تمرد" في غزة ونظيرتها المصرية النافذة أكثر من واضح حتى أنه بات يُعتقد بأن القاهرة قد سهلته. فقد عقد قادة الحركتين اجتماعات عدة رفيعة المستوى حيث استضافت القاهرة أغلبية نشاطات حركة "تمرد" غزة خارج قطاع غزة وبعيداً عن أيدي قوات حماس العاصفة الباحثة عن فرائس.

في هذه السياقات، أصبح الضغط السياسي والاقتصادي الذي يُمارس على حماس مؤثراً جدا إلى درجة ارتفعت معها نسبة المخاوف في إسرائيل خشية حدوث فراغ أمني في قطاع غزة. وفي أيلول من العام 2013، كشف قائد القيادة الجنوبية في جيش الدفاع الإسرائيلي لوسائل الإعلام المحلية عن أنه تم إرسال وفد إلى القاهرة لحث جنرالات مصر على تخفيف الضغط على حماس. ويخشى جيش الدفاع الإسرائيلي من أن يفضي يأس المجموعة إلى انهيار وقف إطلاق النار من خلال دفع حماس الى الارتماء ثانية في أحضان النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار، أو بغير ذلك التخلي عن حملتها لمنع المجموعات الجهادية الثانوية من إطلاق صواريخ على داخل إسرائيل والتسبب في صراع أضخم.

تنعكس مخاوف إسرائيل من مأزق أضخم عند التعامل مع حماس بطريقة تحافظ على الأمن الإقليمي وتقدم مصالح كل من القدس والقاهرة. لكن، ورغم التزام حماس الراهن بوقف إطلاق النار مع إسرائيل، فإن الأزمة مع مصر قد عرّت في نهاية المطاف دورها الأضخم كنظام سلطوي ومثبط للاستقرار الإقليمي. ويتحدث كشف إسرائيل للنفق الذي شقته حماس بطول 1.7 كيلومتر لاستخدامه في هجمات إرهابية عما تختاره مجموعته لاستخدام الإسمنت النادر لديها وتمويله.

ومع مضي الوقت في اتجاه 11 تشرين الثاني كشف تعامل حماس مع حركة "تمرد" ألوانها الحقيقية أكثر فأكثر. فقد تم تطويق عشرات من الناشطين المشتبه فيهم وأقفلت منافذ إعلامية مستقلة، وبدأت قيادة حماس في الزحف إلى إيران وسط عزلتها الدبلوماسية المتنامية.

ورغم العزلة الاقتصادية المتصاعدة، ثمة القليل من الحديث الجدي في صفوف قيادة حماس حول التصالح مع فتح وإعادة وصل المنطقة المعزولة مع الضفة الغربية وباقي المنطقة -وهو مطلب قديم دأب على إثارته مواطنو غزة. وتحول إيديولوجية حماس التي ترفض التنازل بدون المشاركة في الجهود المستمرة للتوصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل -والتي سيكون لها أثر إيجابي تنعكس أصداؤه على استقرار المنطقة وعلى حياة الشعب الفلسطيني. وطالما كانت هذه هي الحالة. وبذلك، ربما لن يكون يكون سيئاً كثيراً بالنسبة للعسكريين في مصر أن يسمحوا للغضب الشعبي في القطاع باكتساح حكم حماس في غزة وإلقاء بها في سلة مخلفات التاريخ.

 

*مدير استخبارات الشرق الأوسط في مؤسسة ماكس سوليوشنز للاستشارات حول المخاطر الجيوسياسية

المصدر: 
ميدل إيست أونلاين