الشبح الاسرائيلي

بقلم: 

 

حتى الاعلام المحترف لم يبد الاهتمام المعهود ولم يبذل مجهودا كافيا للتحقق من دقة الخبر وتفاصيله، بعدما بات يعتبره حدثا عاديا وعابرا في سياق الحرب السورية، مثله مثل بقية الأخبار الأمنية التي تغطي مساحة سوريا من أقصاها الى أقصاها، بل لعله اقل منها اهمية، سواء عسكريا او سياسيا.

لم يكن بإمكان احد ان يحدد ما اذا كانت الضربة الإسرائيلية التي وجهت الى موقع عسكري سوري بالقرب من اللاذقية صباح الأربعاء هي الخامسة او السادسة هذا العام ، او هي الحادية عشرة او الثانية عشرة منذ بدء الازمة السورية. اللافت هذه المرة هو ذلك الحرص الشديد اكثر من المرات السابقة على احترام التكتم الاسرائيلي وعلى عدم تسريب اكثر من العنوان الذي يبدو انه وصل خطأ او سهوا الى صحيفة هآرتس الإسرائيلية فنشرته على موقعها الالكتروني صباحا ثم لزمت الصمت حوله لساعات، قبل ان يذيعه موقع جريدة يديعوت احرنوت ثم التلفزيون الاسرائيلي بعد الظهر بشكل مقتضب .. الى ان أكده ليلا مسؤولون أميركيون لمحطة سي ان ان ، ببضع كلمات كانت كافية للجزم بحصول الضربة.

لم تكن مثل هذه الغارات الإسرائيلية ال11 او ال12 على اهداف سورية سوى دليل ثابت على ان اسرائيل تستفيد من انهماك النظام السوري بحربه الداخلية الواسعة النطاق لكي تمضي قدما في جدول أعمالها الخاص بتجريد سوريا من عناصر قوتها العسكرية المؤثرة في موازين القوى التقليدية بين الدولتين، والحؤول دون وقوع أسلحتها الاستراتيجية في أيدي حزب الله، او سواه من التنظيمات غير الخاضعة للمعايير والأحكام الدولية والتي يمكن ان تستخدمها تلك الأسلحة في اي مواجهة مقبلة.

لا يمكن إقامة اي صلة بين الضربة الإسرائيلية الجديدة وبين اعلان منظمة حظر الأسلحة الكيماوية  في اليوم نفسه انها أنجزت البند الاول من القرار الدولي بتجريد سوريا من سلاحها الكيماوي والخاص بتدمير معدات الانتاج والتجميع والتركيب.. وهو قرار كان وسيبقى واحدا من اهم المكاسب التي حققتها اسرائيل حتى الان من الازمة السورية، وبالتالي لا يمكن ان تخاطر باضاعتها باختيار ذلك التوقيت لتنفيذ هجوم اللاذقية.

يصعب اعتبار ذلك الهجوم الاسرائيلي تخريبا لمهمة مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على ما جاء في تحليلات بعض الخبراء. وإذا كان من صلة ممكنة بين الحدثين فهي ان اسرائيل ربما تود لفت نظر المفتشين الدوليين الى ذلك الموقع المستهدف، الذي قد لا يكون موجودا على الخرائط التي قدمها لهم النظام السوري، والتي قارنوها مع الخرائط والصور الجوية التي زودهم بها الأميركيون والإسرائيليون والروس.

عدا ذلك فان الغارة الإسرائيلية الجديدة تنفذ سياسة معلنة بشكل لا لبس فيه وتستكمل مسارا محددا منذ اللحظة الاولى، لا يمكن إدراجه في اي سياق داخلي سوري، مثل القول ان اسرائيل تشعر الان ان النظام يتهالك او انه يتماسك، او هي تلاحظ ان المعارضة السورية تتفرق او تكتسب زخما إسلاميا اضافيا.. او هي تلقت معلومات استخباراتية جديدة عن محاولات لتسريب بعض الأسلحة السورية الاستراتيجية الى لبنان.

يمكن ان تكون اسرائيل قد شنت هجوم اللاذقية لواحد على الاقل من هذه الأسباب،مستفيدة من حقيقة ان ليس لاحد مصلحة في ان يجاهر او يجادل في تلك الهجمات المتلاحقة على سوريا: لا يمكن للنظام ان يؤكد الهجوم لكي لا يحاصر في سبب امتناعه عن الدفاع عن النفس، ولا يمكن للمعارضة ان تطمئن للهجوم الذي لا يخدم جدول أعمالها، ولا يمكن لحلفاء اي منهما ان يقر بالهجوم لكي لا يشعر بحرج السؤال عن الموقف منه.

ليس لاحد مصلحة في ان يعتبر اسرائيل طرفا. الجميع قرر ان يتعامل معها بصفتها شبحاً.. مع انها ستصبح على الأرجح شريكا في المعارك الاخيرة من الحرب السورية.

 

المصدر: 
المدن