إسرائيل الشّرهة

بقلم: 

 

لم تكتف اسرائيل بأن النظام في سوريا يسابق الامم المتحدة في تدمير ترسانته الكيميائية بوتيرة لافتة، بل عادت الى عملياتها ضد الترسانة الصاروخية السورية. وتولت وسائل الاعلام تسريب هدف العملية بأنه منع انتقال هذه الاسلحة الى "حزب الله". اما كيف تعلم اسرائيل بوجهتها وهي في مخازنها فسؤال لا يوجهه اليها الحلفاء. وبعد ان قرر النظام السوري ان التنازل لاسرائيل، عبر روسيا ومن ثم اميركا، هو الطريق الاسلم لتدعيم موقعه الخارجي، وتاليا الداخلي، لم يعد يتذكر بالطبع تهديده بأنه سيرد على اي غارة جوية اسرائيلية جديدة فورا. وايا يكن من سيسطر على سوريا الواحدة، او في سوريا المجزأة، فإن جدول اعمال تدمير كل ما تعتبره اسرائيل سلاحا يمكن ان يصل اليها يسير بسلاسة.
ومثلما ادرك الاسد، عبر الروس، ان مفتاح قلب الاميركيين هو تبديد هواجس الاسرائيليين الكيميائية، فإن خامنئي ادرك، من دون وسيط، ان الطريق الى بناء علاقة متينة مع الاميركيين يكون بتبديد هواجس الاسرائيليين النووية. ورغم كل الصراخ الصادر عن نتنياهو، وكأن العلاقة الاميركية- الايرانية الناشئة تتم على حساب اسرائيل، فإن وظيفة الموقف الاسرائيلي ليست اكثر من وضع سقف عال لاجراءات التأكد من ان ايران غادرت بالفعل احلامها النووية، وهو امر سبق ان اكده السماح بوصول روحاني الى الرئاسة.
اما في مصر التي يحلو لبعض الاصوات الاسرائيلية التحذير من انها عادت لتشكل مصدر قلق، فإن وقائع التناوب على السلطة بين "الاخوان المسلمين" والجيش تثبت ان المشترك الوحيد بين الطرفين المتصارعين، كان ولا يزال، الحفاظ على روحية "كمب ديفيد" كأساس للعلاقة مع اسرائيل. والتنافس المصري على الرضى الاسرائيلي قبل ان يكون حاصل رؤية استراتيجة لموقع مصر الاقليمي هو مسعى تكتيكي للفوز بالقلب الاميركي، على الطريقة السورية- الايرانية.
اما في الملف الفلسطيني فمن المعروف ان عودة السلطة الى طاولة المفاوضات، اعتبارها الاول ارضاء الجانب الاميركي، لا الاقتناع بأن الظروف الاقليمية او هوية المفاوض الاسرائيلي تمنح ادنى امل بوصول التفاوض الى نتيجة. وطالما ان الرضى الاميركي مطلوب وان العنف، بكل اشكاله، ليس ضمن خيارات السلطة الفلسطينية، فإن المفاوض الاسرائيلي يستطيع اذلال الفلسطينيين، لا على طاولة المفاوضات وحدها، وانما بالتذكير المستمر بأن الاستيطان مستمر، بمفاوضات وبدونها.
في ما مضى كانت هوية الحاكم في اسرائيل تؤثر في قدرتها على حصد المكاسب التي يوفرها الحليف الاميركي، اما اليوم فإن شَرَهَ نتنياهو نفسه لا يقف عائقا امام صفاء العلاقات العربية- الاميركية.

mouhammad.ibrahim@annahar.com.lb

 

المصدر: 
النهار