المفاوضات العقيمة

بقلم: 

يبدو أن المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني تراوح مكانها ولم يتم إحراز أي تقدم بسبب الصلف الصهيوني . ورغم السرية المحاطة بها هذه المفاوضات فإن تأكيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتم التراجع عن فكرة تبادل الأراضي، إذا تراجعت الحكومة الصهيونية عن الاتفاقات السابقة، يوضح بجلاء أن الطرف الصهيوني متعنت في مواقفه، وذلك سبب رئيسي في تعثر المفاوضات أو جمودها .

لقد تمت عدة جولات من المفاوضات ولم يرشح عنها أي شيء يوحي بأي تقدم في هذه المفاوضات . ولعل ذلك يوضح بجلاء أن الكيان الصهيوني يريد المفاوضات من أجل المفاوضات لتحسين صورته أمام الرأي العام العالمي بصفته محبذاً للسلام، في وقت لا يقدم فيه أي شيء في اتجاه السلام، كما يواصل فيه بناء المستعمرات الصهيونية على الأرض الفلسطينية لالتهام المزيد منها والقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية، وكذلك حل الدولتين الذي تتبناه الإدارة الأمريكية .

إن الكيان الصهيوني يريد الانفراد بالطرف الفلسطيني لفرض شروطه واملاءاته، ولاتقوم الإدارة الأمريكية بالمقابل بأي ضغط فاعل على الكيان الصهيوني . ولقد أوضح ياسر عبدربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن المفاوضات عقيمة بسبب التعنت الصهيوني . وإذا كان الأمر كذلك فلماذا الاستمرار في المفاوضات؟ بل لعل السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا القبول بالانخراط في المفاوضات مع أنه معروف سلفاً أن الكيان الصهيوني غير جاد في عملية السلام، وأنه يحاول فرض شروطه وإملاءاته على الطرف الفلسطيني، ويريد أن يدور به كما دار به في المفاوضات السابقة، في ردهات عبثية لا تفضي إلى أي محصلة ملموسة .

 

إن الطرف الفلسطيني الذي قفز على شرط وقف الاستيطان وانخرط في المفاوضات من دون ذلك الشرط تحت وطأة الضغط الأمريكي، وبسبب التعنت الصهيوني الذي يصر على مواصلة بناء المستعمرات الصهيونية قد قبل الشروط والإملاءات الصهيونية منذ البداية . ومعروف أن شرط وقف الاستيطان هو شرط مبدئي وموضوعي، وأن الطرف الفلسطيني الذي دارت به المفاوضات السابقة سنين طويلة في ردهات عبثية كان الكيان الصهيوني خلالها يواصل بناء المستعمرات قد أدرك فداحة المسألة، ولهذا برز شرط وقف الاستيطان . صحيح أن الكيان الصهيوني يعتبر بناء المستعمرات جزءاً من عقيدته الاستعمارية ونهجه الاستعماري الصهيوني، ولكن ذلك يفرغ المفاوضات من مضمونها، ويقوض فكرة حل الدولتين .

إن فكرة تبادل الأراضي التي أوضح عباس أنه سيتم التراجع عنها إذا تراجعت الحكومة الصهيونية عن الاتفاقات السابقة، هي فكرة مثلت تنازلاً فلسطينياً وعربياً رحبت به الإدارة الأمريكية . وإذا كان توضيح عباس مؤشراً على أن المفاوضات تواجه صلفاً صهيونياً يريد فرض املاءاته وشروطه، وأن المفاوضات متعثرة أو مجمدة، فإن الطرف الفلسطيني تحت وطأة الضغط الأمريكي ليس أمامه إلا الانخراط في المفاوضات وربما لا يملك الرئيس الفلسطيني التراجع عن فكرة تبادل الأراضي بعد أن قدمها الفلسطينيون والعرب، واعتمدتها الإدارة الأمريكية . ذلك أن الطرف الفلسطيني أصبح رهين الضغط الأمريكي بحكم أنه الحلقة الأضعف في المعادلة، ولا تقوم الإدارة الأمريكية بأي ضغط فاعل على الكيان الصهيوني رغم ما تملكه من أوراق قوية . ومعروف أن الإدارة الأمريكية ليست راعياً محايداً لعملية السلام وأنها تتخندق مع الكيان الصهيوني وتنظر إلى القضية الفلسطينية بعيون صهيونية .

 

إن الطرف الفلسطيني لا يستطيع الانسحاب من المفاوضات بسبب الضغط الأمريكي الذي كان منذ البداية أساس انخراط السلطة الفلسطينية فيها وفي نفس الوقت ينأى عن أي اتهام للطرف الفلسطيني بإفشال المفاوضات . وهكذا بات قدراً على الطرف الفلسطيني أن يكون رهينة الضغط الأمريكي، وفي مواجهة التعنت الصهيوني الذي يحاول فرض شروطه وإملاءاته .

الطرف الصهيوني لن يقدم للطرف الفلسطيني أي تنازل حقيقي، بل يفرض عليه أن يقدم المزيد من التنازلات . والإدارة الأمريكية لا تبذل أي جهد حقيقي يجعل المفاوضات تسير في نسق موضوعي وصولاً إلى حل الدولتين الذي تتبناه الإدارة الأمريكية . ولهذا فإن المفاوضات تراوح مكانها ولا تحقق تقدماً . وإذا حققت تقدماً فهو في مصلحة الكيان الصهيوني وليس في مصلحة القضية الفلسطينية بسبب ضعف الطرف الفلسطيني وارتهانه للضغط الأمريكي .

إن الطرف الفلسطيني قدم العديد من التنازلات ولا يمكنه تقديم المزيد لأن ذلك سيكون على حساب الحق الفلسطيني والقضية الفلسطينية .

إن هدف الكيان من المفاوضات هو المفاوضات من دون ركائز موضوعية للوصول إلى نتائج غير موضوعية، ويركز على أهمية الترتيبات الأمنية له، في وقت تؤكد فيه الإدارة الأمريكية أن أي سلام يجب أن يستجيب للدواعي الأمنية الصهيونية . مع أن السلطة الفلسطينية، من منطلق تنفيذ التزاماتها باستحقاقات أوسلو وما انبثق عنها أو ألحق بها من اتفاقيات تلتزم بالتنسيق الأمني وتتولى تحقيق الأمن للاحتلال الذي يواصل العبث بالحق الفلسطيني .

المصدر: 
الخليج