أيهما نتنياهو.. جيكل أم هايد؟

بقلم: 

عاد الإسرائيليون والفلسطينيون إلى استئناف مسيرة المفاوضات منذ نحو ثلاثة أشهر، على الرغم من احتجاج ورفض جهات عدة لدى الطرفين، وهذا يفترض أن هذه المسيرة المتجددة تقتضي البحث في المسائل الجوهرية التي يمكن أن ترسي أسسا لتسوية عدد من القضايا الشائكة بين الطرفين ، مثل اللاجئين والقدس والحدود والأمن والمياه والأسرى وغيرها.
هذه المفاوضات تقتضي تهدئة ما، تلجم حالات التطرف وكل ما من شأنه أن يفجر، أو يضفي سلبيات على الحالة التفاوضية القائمة. وهذا يتطلب من رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الوزراء الإسرائيلي وبشكل ملح وعاجل وضروري، تنكب حالة وتلطيف ما يمكن أن يبرز ويثور من مشاكل وعقبات وعثرات، أو التمثيل بلعب هذا الدور.
إلا أنه ظهر وفي الأيام القليلة الماضية، وبعد مقتل الجنديين الإسرائيليين في قلقيلية والخليل، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو أول المبادرين إلى تصعيد المواقف، واستغلال الظرف العصيب الناشئ للرد، وبقوة على ما حصل. وكأنه يخوض مناطحة معينة مع الطرف الآخر، أو أنه في منازلة من الأفعال وردود الأفعال لرئيس عصابة يهمه أن يرد على الآخرين وبأسرع وقت، كأنهم وجهوا إليه إهانة شخصية، خوفا من أن يسبقه أحد في الرد، وخوفا على هيبته الباطشة، أو فقدانا من كتلة أنصاره ومؤيديه.

لقد بادر نتنياهو، والمفاوضات متواصلة وإن بتقلقل وفي ظل اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وبحضور عشرات الزعماء والقادة العالميين، إلى رد فعل عصبي، تماثل مع مواقف ودعوات أمثاله من المتعصبين وكبار قادة المستوطنين، وكأنه يتسابق معهم في من هو الأكثر تطرفا، والأكثر إيذاء للطرف الآخر، وكأن المفاوضات لا تعنيه، أو وكأن اجتماعات الأمم المتحدة وما يطرح فيها من مواقف وخطابات ومباحثات لا تعنيه؛ ولا تمثل له شيئا. وها هو يناطح شبح النووي الإيراني في الأمم المتحدة نفسها، بعد أن أرخى الحبال لمستوطنيه كي يعيثوا فسادا في الأراضي المحتلة، والاستمرار بمحاولات الاستيلاء على الأراضي، ومصادرة البيوت وطرد أصحابها منها، والاستمرار بمحاولات الاستيلاء على أجزاء من المسجد الأقصى وغيره من الأماكن المقدسة.

وبعد قتل الجندي الإسرائيلي في الخليل، سارع نتنياهو إلى إصدار الأوامر بالعمل فورا للاستيلاء على بيت عربي في قلب المدينة، ادعى المستوطنون أنهم اشتروه من صاحبه، وهو يقع بجوار بوابة الحرم الإبراهيمي؛ إلا أن المحكمة الإسرائيلية تريثت في تسليمه لهم، لأنها وجدت تزويرا في أوراق ادعاء البيع والشراء. وكتب نتنياهو على صفحته في موقع "فايسبوك" إن "من يحاول اقتلاعنا من مدينة آبائنا الخليل سينال عكس مراده، سنواصل محاربة الإرهاب وضرب الإرهابيين بيد وباليد الأخرى سنعزز الاستيطان".
هكذا يتضح إن الأمر لا يعدو كونه من أفعال الشرير "مستر هايد" ولا يمت بصلة إلى أفعال وأقوال ومواقف "دكتور جيكل". علما إنه تبين في نهاية رواية الكاتب البريطاني ستيفنسون أن جيكل هو هايد نفسه، وأن تمثيلية هايد في الطيبة وعمل الخير والسماحة كانت قصيرة، وتهاوت في النهاية، وتم كشفها، ليظهر جيكل عاريا ومكشوفا، وأنه هو هايد نفسه في شروره، وإيذائه ودمويته وعدوانه ومؤامراته وخطره.

أما بالنسبة للمفاوضات، فإنها لا تعدو كونها تمثيلية لشراء الوقت، واستمرار الاستيطان، والاستيلاء على أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية، وطرد عدد أكبر من المواطنين الفلسطينيين، وأن أقصى ما يمكن أن تفضي إليه المفاوضات هو إقامة حكم ذاتي في ما تبقى من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967. وقد عادت صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو في 16/9/2013 بالذاكرة إلى ما سبق وأن صرح به في مركز الليكود قبل 11 سنة، حين قال "حكم ذاتي نعم، أما دولة فلا"

وها هي المتاهة ما زالت تدور، والتتويه مستمر. وأقصى ما يمكن الوصول إليه بحسب معطيات كثيرة: حكم ذاتي فقط ولا دولة للفلسطينيين، في حين يتم تثبيت أركان "دولة اليهود القومية"، وما يتطلبه ذلك من طرد ما تبقى من الفلسطينيين من فلسطين المحتلة عام 1948، مع مشاركة الفلسطينيين في أماكن محددة من المسجد الأقصى كما هو حاصل في الخليل وفي الأماكن المقدسة الأخرى للمسلمين والمسيحيين، ومن لا يعجبه الأمر، فعليه أن يغص، وهناك حيطان كثيرة يمكنه مناطحتها. وهذا هو لسان حال نتنياهو وغيره من زعامات المستوطنين المتطرفين.

 
المصدر: 
المستقبل