إسرائيل... وعولمة الإرهاب

بقلم: 

تنتقل إسرائيل على مدى العقود من حالة قطرية إلى أخرى دولية دون حدود، وفي إطار الاستعمار العالمي، وهي تجد دائماً تبريراً لا يصعب عليها دفعه للإعلام العالمي والثقافة السياسية العالمية. فهي في لحظة حركة تحرير وطنية، باسم «الخلاص الصهيوني»، وهي في لحظة أخرى مأوى للمظلومين اليهود في العالم، ثم نصيرة للشعوب المظلومة، ثم نموذجاً للنمو والتنمية، حتى صارت شريكة للدول الكبرى في السلاح النووي!

ويبدو أن كثيراً من الباحثين العرب أنفسهم، يأخذون هذه المزاعم عن المنافسة القطرية مأخذ الجد أحياناً، بمعنى أن يستسلموا لمناقشتها بجدية تجعلهم يناقشون حجمها في المنطقة فقط ، أو محاولة مواجهتها بحقائق مماثلة... الخ. ويؤدي بنا ذلك جميعاً إلى إغفال كون خطرها الأكبر أنها جزء من حقائق عالمية ثابتة على المستوى الدولي، وأن براعة التنظيم الصهيوني هي في بث ذلك عبر وقائع أخرى.
ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي، حين أعلنت إسرائيل أن حدودها «الأمنية» تمتد من تونس حتى حدود سور الصين العظيم، وإسرائيل تعيش اطمئناناً لقوتها الضاربة وقدرتها على صد الجانب العربي بسهولة كبيرة بعد توقيع كامب ديفيد، وأنها تتحول من قوة «كيان» محلي إلى قوة ردع مساعدة عالمياً، وأداة تغلغل ليس على المستوى العربي وحده، ولكن على مستويات دولية متعددة. وتركت هذا المجال لتتحول إلى قوة رأسمالية، لا تنتح هي رأسمالها الخاص على نحو ما نتحدث أيضاً عن رأس المال اليهودي، بسذاجة العقلية التجارية العربية، ولكنها تلعب برأس المال «العالمي» مرة أخرى. ولفترة ظلت إسرائيل تبدي براعتها كخبرة تفاوض لعدد كبير من الدول النامية تجاه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، للحصول على الديون أو تسديد الديون، أو جذب رأس المال «العالمي»! وأذكر أن ذلك كان أسلوب النفاذ الكبير طوال الثمانينيات والتسعينيات في فترة استرجاع العلاقات السياسية والاقتصادية الوثيقة مع الدول الأفريقية التي قطعت معها العلاقات بعد حرب أكتوبر 1973.

لقد أصبح دور «الوساطة» هذا هو الغالب على السياسة والمؤسسات الإسرائيلية، فهي قد تدير الصفقات ولا تقدم مادتها بنفسها.. صفقات السلاح تيسر الحصول عليها وفق «إمكانيات» الدول النامية، بأكثر من تقديمها السلاح نفسه على رغم تجارتها الواسعة في السلاح (الذي تتجه به إلى آسيا مؤخراً)، وهي تدرب الجيوش الأفريقية وتسيطر على كفاءاتها، وهي تجمع واحدة من أكبر الثروات الأفريقية، مثل «الألماس» تجري عليه عمليات التنقية، وتعيد تصديره، ولا تنتجه أو تستعمله، وخاصة أن الولايات المتحدة هي التي تعتمد على الألماس الأفريقي في أكثر من 60 في المئة من استخداماتها.

ولم تهتم إسرائيل في أية لحظة بأن يكون لها «مشروع كبير» في هذه الدولة الأفريقية أو تلك، فلا هي مشهورة في إقامة الإنشاءات أو الطرق أو المؤسسات البترولية ورأسمال الاستثمار فيه، وحتى شهرتها في الزراعة لا تنعكس على مشروعات زراعية كبيرة هنا أو هنالك، ولم يسمع أحد عن أي مشروع زراعي كبير لإسرائيل. ولكننا نسمع عن خبرات زراعية أو مواد تقنية أو تدريب ومعاهد.. الخ. أي أنها جزء من أعمال الوساطة، وحتى ما استهلك من الإعلام العربي الكثير حول «سد النهضة الإثيوبي» واشتراكها في إقامة السد للإضرار بمصر وغيرها.. لم يثبت منه إلا مشاركتها في المشروع بشركة لـ«تسويق» الطاقة الناتجة منه، إذن هي دائماً جزء من عملية استثمارات عالمية كبيرة فيما أسميناه «عولمة المشروعات المائية» التي تمتد من هضبة إثيوبيا إلى منطقة البحيرات الكبرى ونهر الكونجو.. ومن عولمة مشروعات المياه والدور الإسرائيلي الواسع فيها إلى عولمة الإرهاب، أداة حركة «الاستثمارات العالمية» الآن بدوره! وهي دائماً وراء «الدور العالمي» وحركته لأن الصهيونية نفسها حركة عالمية والنفوذ الصهيوني يتركز في دوائر رأس المال العالمي بالتحديد، ومنه إمكانية النفاذ إلى الحكومات والمشروعات الكبرى على السواء.

ومن تابع أحداث كينيا في سبتمبر الماضي، وواقعة الإرهاب الشهيرة في «مول ويست جيت» يرى كيف تحول مجموعة «الشباب الصومالي» من جنوب كسيمايو -وصحراء بوركانا- إلى وحوش كاسرة في أكبر «مول» بنيروبي تردد أنه يملكه «يهودي» مشهور هناك! وما أكثر اليهود المستوطنين بشكل عادي في شرق أفريقيا، خاصة في كينيا وتنزانيا، ومع ذلك وجدنا أنفسنا إزاء حادث عظيم، تحدثنا بشأنه عن صراع رأس المال الدولي حول كينيا بعد دخولها بوابة البترول الواسعة في منطقة شراكة لكينيا بينها وبين الصومال!

ولكن حادث الإرهاب هذا يكشف الكثير من عناصر عولمة الإرهاب... ومن عناصر الحادث الشهير، انفراد إسرائيل بمساعدة السلطات الكينية في مواجهة الإرهابيين في «المول»، بقوات متخصصة في تخليص المأسورين في مثل هذا الحصار، منذ أحداث أوغندا في السبعينيات! وتنفرد إسرائيل بمساعدة كينيا على رغم طلب سلطات الولايات المتحدة وبريطانيا التدخل للمساعدة! ولكن السلطات الكينية تحفظت على الطلب الأميركي والبريطاني.. لتأخر استجابتهما أو لأسباب أخرى! وإذن فثمة دور جديد لإسرائيل لدى الدول النامية ليس في تدريب الجيوش أو الحصول على القروض فقط، ولكن في «صد» حركة الإرهاب التي تزداد عالمية، ومن ثم تزداد عولمة الدور الإسرائيلي.

لقد استدعت بعض الدراسات في هذه المناسبة، كتابات إسرائيلية في الموضوع، تعود إلى تصريحات نتنياهو منذ عام 2011، بأن إسرائيل ستتعاون على المستوى الدولي في مواجهة إرهاب الأصوليين!

وهكذا بدأ دورها في صياغة لمواجهته في كينيا... فهل نعيش دائرة جهنمية في هذا الموضوع؟ لن أورد هنا كثيراً مما صدر بشأن إسرائيل، إلا في حدود موضوع كلامنا فقط. خوفاً من مضاعفة القلق، أو تهمة بيع الأوهام!

ففي تقرير لمنظمة (972) الحقوقية في شهر يونيو 2013 -وغيره من التقارير الإسرائيلية- لا مجال لتفاصيلها هنا، ولكنها تحمل عنواناً متكرراً عن تبادل تجارة السلاح مقابل تسليم آلاف من المعتقلين الأفارقة المحتجزين لدى إسرائيل إلى بلادهم! وتشير إلى ثلاث دول تتفاوض حول مثل هذه الاتفاقيات.. ويتحدث التقرير عن الشباب الأفريقي المتسلل إلى إسرائيل بطريقة غير شرعية، فتعتقلهم السلطات الإسرائيلية وتتصل بدولهم طبعاً! لإمكان تسليمهم مقابل اتفاقيات تجارية في السلاح الإسرائيلي وغيره، على رغم عدم رضا الشباب.. عن هذه الصفقات.. وهكذا صدرت التصريحات الحكومية الإسرائيلية الرسمية، وتقارير المنظمات الحقوقية التي رأى بعضها في ذلك إمكان تحويل هؤلاء الشباب إلى عالم العنف أو الإرهاب في بلادهم، وهم الذين نعرف فعلًا أنهم باتوا جزءاً من حلقة الإرهاب على مستوى الأقاليم، خاصة وظروف العودة إلى حياة عادية في بلادهم لا توحي بأن يتحولوا إلى قوى ديمقراطية!

ومن هنا يأتي القول بضرورة النظر إلى إسرائيل في ضوء الإطار العالمي وليس كمجرد دولة إقليمية.
 

المصدر: 
الاتحاد