المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية... مخاطر الفشل

بقلم: 

فيما ينكب الدبلوماسيون على دراسة الاتفاقية المفترضة لتأمين الأسلحة الكيماوية السورية، كانت الدبلوماسية تواصل عملها الدؤوب والهادئ بشأن موضوع آخر مستعجل في الشرق الأوسط يتمثل في التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل ينهي سنوات الصراع المديدة، لكن رغم عودة الطرفين مؤخراً إلى طاولة المفاوضات بعد انقطاع دام خمس سنوات، يبقى من الصعب العثور على كثير ممن يجمعون من الخبراء سواء داخل الولايات المتحدة، أو في المنطقة على نجاح هذه المفاوضات بالنظر إلى الفشل الذي ظل يلاحق المحاولات السابقة، غير أن العقبات الكبيرة التي تنتظر مسيرة السلام لا تخفي الظروف المستجدة والتي تمثل الخلفية الاستراتيجية للمفاوضات لتبقي شعلة الأمل، رغم وهنها، متوقدة، وتظل فرص السلام قائمة، ودعماً لهذا البصيص الخافت من الأمل أورد سبعة أسباب تدعونا إلى التفاؤل وإبقاء باب السلام مشرعاً.

فأولاً نحن أمام أرضية مغايرة ومباحثات مختلفة تم التهيؤ لها بعناية كبيرة، حيث حرص وزير الخارجية الأميركي على تمهيد الطريق لاستئناف المفاوضات من خلال عقد الخبراء العسكريين لمباحثات منفصلة مع نظرائهم الإسرائيليين في محاولة للاتفاق على الترتيبات الأمنية التي تستجيب للمطالب الإسرائيلية وتبدد مخاوف الانسحاب من الضفة الغربية وتحولها إلى واجهة للإرهاب، يضاف إلى ذلك أيضاً السبب الثاني الذي ربما يساعد المفاوضات على النجاح، متمثلاً في المهلة الزمنية التي مُنحت للأطراف المعنية، فخلال المرات السابقة التي جرى فيها التباحث بين الفلسطينيين وإسرائيل، لم يكن عامل الوقت الضاغط ملائماً سواء في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 التي استدعى فيها كلينتون الأطراف للتحاور خلال أسبوعين، أو في محاولة عام 2008 عندما انتهى وقت التفاوض بسبب فضيحة أولمرت ومثوله أمام المحكمة.

لكن هذه المرة يمتلك الجانبان ما يكفي من الوقت، فأوباما في سنة الأولى، ونتنياهو فاز منذ فترة قصرة بولاية ثانية، ناهيك عن غياب أجندات انتخابية تحرض على المزايدة وتبني الموافق المتصلبة، وفي السبب الثالث الذي يبعث على التفاؤل هناك الكلفة الباهظة للفشل التي تصاعدت هذه المرة مقارنة بالمناسبات السابقة، وبات الفلسطينيون والإسرائيليون واعين بتداعيات الفشل وعواقبه.

وفي هذا الصدد يواجه الفلسطينيون في حال فشل المفاوضات احتمال الانهيار الاقتصادي في الضفة الغربية ومعه تداع محتمل للسلطة الفلسطينية مع ما يستتبع ذلك من تعزيز قوة «حماس» في غزة، أما بالنسبة لإسرائيل فسيكون عليها تحمل كلفة العزلة الدبلوماسية الدولية وتصاعد وتيرة المقاطعة العالمية لمنتجاتها مثلما فعل الاتحاد الأوروبي عندما فرض حظراً على البضائع الإسرائيلية المصنعة داخل المستوطنات، ورابعاً يبرز العامل الشخصي المتمثل في رغبة محمود عباس ترك رصيد مشرف للتاريخ بأن يكون عراب الدولة الفلسطينية، فعن عمر يناهز 78 سنة يدرك عباس أن هذه المفاوضات هي فرصته الأخيرة، لا سيما في ظل تنامي وتيرة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية التي تهدد في غضون سنوات قليلة بقضم الأرض التي يفترض أن تقوم عليها الدولة، كما يدرك رئيس السلطة الفلسطينية أيضاً أنه في حال الفشل لن يتبقى أمامه الكثير من الخيارات، عدا ربما الانضمام إلى منظمات دولية ومحاصرة إسرائيل دبلوماسياً.

لكن الضغوط ليست عبئاً فقط على محمود عباس، بل تمتد أيضاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو ما يقودنا إلى العامل الخامس الذي ربما يحسن فرص إنجاح المفاوضات، فنتنياهو يستشعر ثقل المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه والثمن الذي يتعين عليه دفعه في حال الفشل.

ولعل هذا الشعور بالمسؤولية هو ما يفسر التغير الملحوظ في خطاب رئيس الوزراء حول السلام وآفاقه، معترفاً أنه حاجة ملحة للحفاظ على الهوية اليهودية لإسرائيل مع عدم التفريط في طابعها الديمقراطي، فلا شك أن نتنياهو يعرف جيداً أن اليهود سيشكلون في غضون عقود قليلة قادمة أقلية إذا لم تنسحب إسرائيل من الضفة الغربية بالنظر إلى نسبة الولادات العالية بين الفلسطينيين وغلبة الشباب على تركيبتهم السكانية.

ورغم توجه حزب «الليكود» إلى اليمين وتملل قيادته يدرك نتنياهو أن تضييع فرصة السلام هذه المرة سيكون كارثياً على إسرائيل، ثم هناك العامل السادس الذي لا يقل أهمية عن سابقيه في دعم حظوظ المفاوضات الجارية حالياً، متجسداً في الأحداث التي تعصف بالعالم العربي، فبعدما كان العرب في السابق عامل كبح للفلسطينيين يمنعونهم من تقديم تنازلات نجدهم اليوم أكثر حرصاً على إنجاح مساعي السلام، حيث تعهدت الجامعة العربية بالاعتراف بإسرائيل مباشرة بعد التوصل إلى اتفاق ووعدت أيضاً بدعم الاقتصاد الفلسطيني وتعزيز قدراته، وحتى بعض القوى الإقليمية التي لعبت دور المعطل في السابق مثل سوريا باتت محيدة اليوم، فيما ضعفت حماس وتراجع نفوذها بعد الإطاحة بمرسي في مصر.

وإذا أظهرت المفاوضات الحالية بعض التقدم وانفتحت آفاق السلام ربما تُجبر «حماس» على التسريع في المصالحة مع عباس والبحث لها عن دور سياسي في الدولة الفلسطينية، وأخيراً يبرز العامل السابع المرتبط أساساً بشخص وزير الخارجية، جون كيري، وراعي جهود السلام، حيث جعل الوزير من عملية السلام شغله الشاغل، والأهم من ذلك أنه حاز ثقة الطرفين، ناهيك عن الدعم المطلق الذي يحظى به أوباما، ولئن كانت كل هذه العوامل الآنفة لا تضمن النجاح، ولا ترجحه حتى، إلا أنها بالتأكيد تضاعف إمكانية تحققه مقارنة بالسابق.