شغب اسرائيلي

بقلم: 

لم يكن عبثا ان يختار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الوقوف على هضبة الجولان السورية المحتلة لكي يرد على مفاوضات جنيف النووية بين ايران وبين مجموعة الدول الست الكبرى، برغم ان المكان يقع على هامش مسار التقارب الاميركي الايراني، واستخدامه لا يمكن ان يخدع الرئيسين باراك اوباما وحسن روحاني اللذين حددا ذلك المسار من دون الاخذ في الاعتبار اي عامل آخر غير الازمة الاقتصادية الضاغطة على شعبيهما. 

من الجولان بالذات، حيث كانت القوات الاسرائيلية تجري مناورات عسكرية واسعة النطاق، اراد نتيناهو الايحاء بان اسرائيل جاهزة لقلب طاولة المفاوضات التي تحولت الى ثنائية مباشرة بين الجانب الايراني وبين الشيطان الاكبر الاميركي، اذا لم تأخذ واشنطن المخاوف الاسرائيلية في الاعتبار. لكنه اختيار غير مقنع، وغير مؤثر، ولا يمكن ان يغير مسار التقارب، حتى ولو عمد الاسرائيليون الى تفجير الوضع على الجبهة السورية الاسرائيلية.. وهو احتمال مستبعد طالما ان الرئيس بشار الاسد يتربع على راس السلطة في دمشق. 

ليس هنالك منطق يبرر لجوء نتيناهو الى المس في نظام يتهاوى اصلا، وما زال الاسرائيليون يفضلونه على اي بديل آخر في دمشق، خصوصا وان تقديراتهم الاخيرة تشير الى ان سقوطه يعني فتح جبهة الجولان امام القوى الاسلامية التي لن تتردد في اشعال فتيل الحرب من خلال التسلل عبر خط وقف اطلاق النار من اجل القيام بعمليات تفجير او حتى خطف جنود اسرائيليين، حسبما جاء حرفيا على لسان رئيس الاركان الاسرائيلي بني غانتس في ذكرى حرب تشرين الاسبوع الماضي.

استعراض العضلات الذي قام به نتيناهو في الجولان في ختام جولة مفوضات جنيف الاميركية الايرانية، كان مثيرا للدهشة او حتى للسخرية.. حتى في بيروت التي تضع في الحسبان الان ان معدل التوتر على الجبهة اللبنانية الاسرائيلية يرتفع عادة كلما توجه الاميركيون والايرانيون الى التفاوض، والتي لا تنسى ايضا ان الحرب الاخيرة في تموز يوليو العام 2006 كانت حربا اميركية ايرانية بالواسطة، مضت فيها اسرائيل طوال 33 يوما بطلب بل بضغط شديد من الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، الذي اراد ان يعاقب طهران على رفضها عرض الحوافز الشهير الذي قدمته مجموعة الدول الست قبل اسبوعين من اندلاع تلك الحرب. 

لم يكن نتنياهو يخاطب النظام السوري من الجولان. فهو يعرف انه ليس عدوا لاسرائيل في هذه المرحلة على الاقل.. كان يتحدث مع اميركا وايران، كان يشاغب على تقاربهما، مثل اي ولد شقي، بأمل ان يدفع واشنطن الى تقديم المزيد من الضمانات والتطمينات لاسرائيل، وان يثير قلق طهران.. متجاهلا ان ذلك النظام لم يعد وديعة ثمينة بالنسبة الى واشنطن تستدعي تعطيل مفاوضات جنيف المتقدمة اكثر من اي وقت مضى، او بالنسبة الى طهران التي تميل الى المزيد من الواقعية وتستعد للتخلي حتى عن بعض عناصر برنامجها النووي مقابل رفع الحصار الغربي عنها.

 لعل نتيناهو ذهب الجولان لكي يستكشف ما اذا كانت سوريا ومصير نظام الاسد سيتحول الى بند على جدول الاعمال الاميركي الايراني، ويذكّر المفاوضين في جنيف ان مصالح اسرائيل التي لا يهددها مشروع نووي ايراني بدائي وغير عسكري افتعلت ضجة حوله طوال السنوات الماضية، انما تكمن في ترتيبات دائمة تضمن الهدوء والاستقرار على جبهتها الشمالية، وتمنع اي لاعب جديد، لا سيما من القوى الاسلامية الطارئة على تلك الجبهة من انتهاك وقف اطلاق النار السائد منذ سبعة اعوام. 

لم يقف نتيناهو على هضبة الجولان لكي يشعل حربا لا يريدها اصلا، او لكي يعطل تقاربا اميركيا ايرانيا لا يمس اسرائيل فعلا.. بل يمكن ان يجير لمصلحتها على المدى البعيد.  

المصدر: 
المدن