التهويل بالحرب المقبلة

بقلم: 

موجة الثورات الشعبية التي اجتاحت دول المنطقة والتغييرات الكبيرة التي اعقبتها اوجدت واقعاً جديداً على الحدود الإسرائيلية - المصرية والإسرائيلية - السورية سمته الاساسية على حد وصف رئيس اركان الجيش الإسرائيلي اللفتنانت جنرال بني غانتس عدم الاستقرار الكامل. ففي رأيه ان المعطيات التي على اساسها بنت إسرائيل عقيدتها العسكرية هي اليوم قيد التبدل والتحول، فالجبهة تغيرت وكذلك التحديات والمخاطر، وما كان يصلح قبل الثورات العربية لم يعد يتلاءم وما بعدها، وكل ذلك يتطلب اعادة التفكير في مبادئ العقيدة العسكرية الإسرائيلية وجعلها مطابقة للواقع الراهن.
في أهم محاضرة ألقاها غانتس منذ توليه منصبه، قبل اكثر من ثلاث سنوات، رسم رئيس اركان الجيش الإسرائيلي صورة شاملة وقاتمة للوضع الجيو - استراتيجي في المنطقة، محدداً صورة الحرب المستقبلية، التي لن تكون بعد الآن حرباً تقليدية ضد جيوش عربية نظامية، بل مواجهة مع تنظيمات مسلحة مزودة قدرات عسكرية متطورة وقوية ومتغلغلة داخل المجتمع المدني للخصم. وستأخذ هذه الحرب اشكالاً عدة، من صواريخ على الجبهة الخلفية الإسرائيلية، الى هجمات تشنها هذه التنظيمات على البنية التحتية لشبكة الانترنت الإسرائيلية مما قد يؤدي الى تعطيل العمل في المؤسسات المدنية والعسكرية. وستكون حرباً متعددة الجبهة، اذ يتوقع غانتس ان تبدأ في الجولان وتمتد بسرعة الى لبنان وغزة، وستشمل مواجهة جوية وبحرية وبرية، وهي لن تميز بين المحاربين والمدنيين لان التنظيمات المسلحة ستكون متغلغلة وسط المدنيين الذين سيدفعون على الارجح الثمن الاغلى.
من غير الصعب رؤية حجم التهويل الذي استخدمه غانتس في تصويره لمخاطر الحرب المقبلة وخصوصاً في ظل حقيقة مرة هي ان عدم الاستقرار الكبير الذي تمر به المنطقة يصب حتى الآن في مصلحة إسرائيل. فعدم الاستقرار السياسي والامني في مصر يجعل الجيش المصري في حال استنفار وانشغال دائمين بمعالجة الوضع الامني، والشرخ الكبير الذي خلفه الصراع السياسي على السلطة بين قادة الجيش المصري و"الإخوان" انعكس على الاوضاع في غزة وأدى الى تضييق الخناق على حركة "حماس" بعد انهيار حكم "الإخوان". وكل ذلك يخدم مصلحة إسرائيل.
أما على صعيد سوريا، فان استمرار الصراع الدامي بين الثوار وجيش الأسد من دون حسم يخدم إسرائيل باضعافه جيش النظام وشله لقدرته على شن حرب ضد إسرائيل، ناهيك بالانجاز الكبير الذي ينطوي عليه تفكيك ترسانة الاسلحة الكيميائية السورية. هذا من دون الحديث عن تورط "حزب الله" في القتال الى جانب الرئيس بشار الأسد، وتوزع مقاتليه داخل سوريا وانعكاس هذا كله على وضع الحزب داخلياً على الحدود.

randa.haidar@annahar.com.lb

المصدر: 
النهار