مفاوضات التسوية أم التصفية؟

بقلم: 

انخرطت السلطة الفلسطينية في مفاوضات مع الكيان الصهيوني، قافزة على شروطها المبدئية المتمثلة في وقف الاستيطان ومرجعية حدود عام ،1967 كمدخل للمفاوضات، وذلك تحت ضغط أمريكي واضح، مع أنها توصلت إلى تلك الشروط المبدئية بعد تجربة طويلة ومريرة من المفاوضات العبثية التي دار الطرف الصهيوني بالطرف الفلسطيني في ردهاتها سنوات من دون الوصول إلى أي محصلة، في وقت التهم فيه الكيان الصهيوني المزيد من الأراضي الفلسطينية، من خلال مواصلة بناء المستعمرات، وهو نهج في عقيدته الاستعمارية العنصرية التي تهدف إلى الاستحواذ على الأرضية وتهويد القدس، والتأكيد عليها عاصمة للشعب اليهودي، معلناً رفضه مرجعية حدود عام 1967 .

 

لقد حاول كيري وزير الخارجية الأمريكية أن يقدم للطرف الفلسطيني إغراء مالياً متمثلاً في فكرة إنعاش الاقتصاد في الضفة الغربية، لكن ذلك لا يمكن أن يكون ثمناً للقفز على الشروط المبدئية . وهو في مضمونه لا يمس جوهر القضية الفلسطينية ويتلاقى مضمونه مع ما طرحه رئيس وزراء العدو الصهيوني قبل سنوات عن السلام الاقتصادي، وهو يصب في المحصلة في مصلحة الكيان الصهيوني، لأن اقتصاد الضفة الغربية هو اقتصاد تحت الاحتلال .

 

إن القفز على الشروط المبدئية هو قفز على جوهر القضية، ويمثل استجابة للشروط والإملاءات الصهيونية التي ما انفكت تؤكد على مواصلة بناء المستعمرات الصهيونية، وعدم الالتزام بمرجعية حدود عام 1967 . بل إن الكيان الصهيوني صفع الطرف الفلسطيني، وهو في بداية المفاوضات، بقراره بناء أكثر من ألف وحدة استعمارية في القدس الشرقية والضفة الغربية . حتى مع التنازل الفلسطيني والعربي بطرح فكرة تبادل الأراضي في إطار حدود عام 1967 وحل الدولتين .

 

إن الكيان الصهيوني دخل المفاوضات وفق شروطه وإملاءاته من دون تقديم أي تنازل حقيقي، في الوقت الذي قفز فيه الطرف الفلسطيني على شروطه المبدئية . وبالطبع فإن الطرف الفلسطيني، وهو الحلقة الأضعف في المعادلة، رضخ لضغط أمريكي، في وقت لم تمارس فيه الإدارة الأمريكية ضغطاً حقيقياً على الكيان الصهيوني . وبدا موقف الطرف الفلسطيني منذ البداية مهزوزاً غير ثابت على ركائز مبدئية، وبدت المفاوضات منذ البداية ساحة للعبث بالحق الفلسطيني والقضية الفلسطينية .

 

ربما رأى البعض أن السلطة ذهبت إلى المفاوضات لإعادة القضية الفلسطينية إلى ساحة الحدث بعد أن بدت مغيبة في ظل الأحداث على بعض أجزاء الساحة العربية، وربما رأى البعض الآخر أن الإدارة الأمريكية ذاتها ربما وجدت في انشغال العالم العربي بالأحداث الجارية في بعض أجزائه فرصة لتمرير صفقة بالنسبة للقضية الفلسطينية .

 

إن كيري أكد التزام السرية لضمان نجاح المفاوضات، ولذلك بدت بعيدة عن الأضواء ولم تخرج من جولاتها الأولى أي تصريحات أو إيضاحات . . وكأنه يراد للمفاوضات أن تدور في ردهات سرية، وهو ما يثير مزيداً من الريبة خصوصاً أن الطرف الفلسطيني هو الحلقة الأضعف، وربما تنتهي المفاوضات بعد شهورها التسعة إلى صفقة تمثل تسوية كارثية للقضية الفلسطينية، وستكون تداعياتها أسوأ بكثير من تداعيات اتفاقية أوسلو التي دارت في ردهات سرية ومثلت صفعة للفلسطينيين والعرب .

 

ذلك أن المفاوضات الحالية يفترض أن تتناول القضايا الرئيسة المتمثلة في الحدود والقدس وحق العودة خلال تسعة أشهر . ومن العبث تصور إمكانية الوصول إلى حلول جذرية لهذه القضايا المعقدة التي يضع الكيان الصهيوني كل شروطه وإملاءاته إزاءها .

 

إن القضية الفلسطينية تدعمها الشرعية الدولية والقانون الدولي، ولا بد أن يكونا هما المرتكزان في أي مفاوضات . وترفض الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني هذه الحقيقة، ويرفضان أي تدخل للأمم المتحدة في حل مثل هذه القضية . إنهما يودان الانفراد بالطرف الفلسطيني تحت مظلة أمريكية تعطي الاعتبار الأول لمصلحة الكيان الصهيوني ومتطلباته الأمنية، ولا تكترث بالحق الفلسطيني ولا بالقضية الفلسطينية، ولا تلتزم بما صدر عن الأمم المتحدة من قرارات يفترض أن تكون هي المرتكزات لأي مفاوضات في سبيل الوصول إلى حل جذري وعادل للقضية الفلسطينية .

 

 

المصدر: 
الخليج