تحالف وطني/إسلامي ضد الانقسام

بقلم: 

إن هناك حساسية سياسية وأمنية ضد كل من يتحدث عن التحالفات في أي اتجاه كانت، وتحت أية عناوين وطنية أو دينية ذي صبغة سياسية، والسبب هو أن إخواننا في فتح وحماس يتوهمون - دائماً - بأن ما يجري هو تحرك مشبوه أو تآمر سوف يستهدفهم.. ولذلك، نجد رفضاً ووجهاً للاعتراض لقيام مثل هذه التحالفات والأنشطة، وربما تحركاً لإجهاضها ووأد أجنتها في المهد.

أنا كفلسطيني أحمل مشاعر جياشة مشفوعة بأفكار وطنية ورؤية إسلامية، أجد نفسي – أحياناً - عاجزاً عن الجواب أو في غاية الحيرة والتوتر عندما يُطرح السؤال حول أسباب "تعثر جهود تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام"، وأتساءل تُرى هل يبقى حالي على الوصف القائل: "فاتني طبع المجاهد، لم أعد غير مُشاهِد".!!

لم أعد أتحمل واقع الانقسام، ولا ما يُقدمه البعض من تبريرات، فالوطن يتشظى وأرضه تنتقص من أطرافها.. ماذا عساي أن أفعل، فأنا لم أترك ساحة للمحاورة إلا وسعيت لها، ولم أسمع عن طرفٍ يمكنه أن يكون للوساطة عنوان إلا وطرقنا بابه وتواصلنا معه، ولم نعرف صاحب حكمة في حركتي فتح وحماس إلا وقصدناه لنعمل شيئاً من أجل الوطن، حتى الجمعيات والمؤسسات ومراكز البحث والدراسات التي لها مساحات في الاجتهاد وطرح وجهات النظر التي تجمع ولا تُفرق إلا وجمعتنا بها أحاديث وجلسات للتشاور وتبادل الرأي في كيفية الخروج من ورطتنا وواقعنا المأزوم.

وما من جهات دولية جاءت أيضاً إلى غزة وشعرنا حرصها على تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام إلا وحاولنا تشجيعها والتواصل معها، وأشرنا لها ببعض المفاتيح؛ لمن توجه مساعيها، وكيف تعرض وساطتها.

للأسف، تبدو الأبواب والنوافذ للحوار الجاد والصادق مؤصدة، وكل طرف من طرفيّ الأزمة على موقفه متثبت والاتهام دائماً موجهٌ للآخر.

لا أحد يريد أن يتحرك خطوة أو خطوتين للخلف من أجل قفزة واسعة للأمام تنهي الانقسام وتحقق المصالحة التي ستأخذنا للانتخابات العامة، والشراكة السياسية والتوافق الوطني؛ القائم على القواسم المشتركة لجميع فصائل العمل الوطني والإسلامي.

في دائرة الحوار المجتمعي - الوطني والإسلامي – كنا نجد أن هناك مساحة للاتفاق، ومرونة في المواقف، وجاهزية للتعاطي مع أجندة وطنية يحتكم إليها عقلاء هذا الوطن من المفكرين والسياسيين والشخصيات المتحررة من قيد وأغلال التنظيمات التي نرى بعضها – أحياناً – قد فقدت البصر والبصيرة، وغابت عن ساحة حكمائها معالم الطريق لجمع الشمل والخلاص.

قبل شهر تقريباً، جمعنا لقاء في "بيت الحكمة" مع عدد من الأصدقاء ونشطاء العمل الوطني لمناقشة المقترح الذي تقدّم به د. يحيى موسى؛ النائب من حركة حماس، حول واقع أزمة الحصار وتداعيات استشراء الانقسام، والتردي الذي أصاب العلاقة مع الشقيقة مصر.

وكم سعدنا عندما وجدنا صدىً لبعض التحركات التي قمنا بها في هذا الاتجاه في خطاب الأخ إسماعيل هنية رئيس الوزراء، والذي أشار فيه.....

ثم كانت هناك جلسات أخرى توسعت فيها مجموعات الحضور من الكل الوطني والإسلامي، حيث أشار البعض منهم لضرورة أن يكون هناك تحرك واسع لعقد مؤتمر جامع للقيادات الفكرية والفصائلية والسياسية يتم فيه وضع النقاط على الحروف، والتوصل لصياغة رؤية وطنية تخرجنا من النفق المظلم الذي انساقت إليه قياداتنا السياسية، بحيث أصبحنا - كشعب - غير قادرين على أن نجد لخطونا مساراً، وما يجري حولنا - للأسف - ليس لنا فيه رأي أو قرار.

في البداية شعرت مع بعض الأصدقاء أن هناك من يتلقف تلك الأفكار ويدفع باتجاه تجسيدها على أرض الواقع، ولكن وجدنا أنه بعد أن تبدأ المشاورات ويتبادل البعض في فصائل العمل الوطني والإسلامي الرأي حولها، يتناهى إلى مسامعنا بأن الجهود قد أخفقت في تحقيق الوفاق، وتعثر التوصل إلى تفاهمات، وعاد الجميع لسياسة تحميل الآخر أسباب الفشل ووضع العراقيل والعقبات.

هيئة الوفاق الفلسطيني: الجسر والمركب

قبل عامين، اجتهدنا كمجموعة من النشطاء السياسيين والمفكرين القيام بمبادرة لتحريك نخب المثقفين ورجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني والمخاتير ورجال الإصلاح للقيام بعمل وطني يشارك فيه الجميع لاستنهاض الحالة الفلسطينية وإخراجها من وضعية الانقسام والاصطفاف الحزبي والاستقطاب المقيت، وكان من بين هؤلاء المبادرين د. جميل سلامة (مستقل)، د. أسامة الفرا (فتح)، د. كمال الشرافي (مستقل)، د. عبد العزيز الشقاقي (مستقل) د. غازي حمد والنائب سيد أبو مسامح (حماس)، أ. حسن عبدو (جهاد إسلامي)، د. عائد ياغي (المبادرة الوطنية الفلسطينية) د. بهاء الغلايني (مستقل)، أ. فهمي كنعان (مبعدي كنيسة المهد)، النائب راويه الشوا (مستقل)، د. منى الفرا (مستقل)، الرفيق صالح ناصر (جبهة ديمقراطية)، أ. خليل أبو شمالة (مستقل)، أ. عصام يونس (مستقل)... وآخرون.

لقد قرر هذا الفريق إنشاء تجمع وطني – إسلامي نتحرك تحت مظلته، ونسعى للخروج بالحالة الفلسطينية من حالة التأزيم والشلل التي أضعفت مشروعنا الوطني، وأغرت إسرائيل بالاستمرار في سياسة بناء المستوطنات وتهويد المقدسات، ورفض تقديم أية تنازلات للطرف الفلسطيني المشارك في المفاوضات، إلى حالة من التوازن والاقتدار تمكننا من استعادة وجهة بوصلتنا الوطنية، والحفاظ على طموحاتنا في استعادة أرضنا وديارنا، وإقامة دولتنا الحرة المستقلة.

حاولنا أن يكون ضمن هيئة الوفاق هذه كل من يتمتع بمنسوب عالٍ من الفكر المستنير، والوطنية الصادقة، والغيرة والحيوية النابضة تجاه الوطن، وكل من لديه استعداد لبذل كل ما يتطلبه الحراك من أجل جمع الصف، وتفكيك حالة الاستقطاب والتوتر التي سكنت أرضية الخلاف بين فتح وحماس، واعتلت فسطاط كلٍّ منهما.

وفعلاً، بدأنا العمل والتحرك، وقدمنّا من الوقت والمال ما هو أكثر من جهد الاستطاعة، ولكننا كنّا نصل – في معظم الوقت - إلى طريق مسدود، وكان عزاؤنا بأن دولاً مثل مصر وقطر وتركيا والسعودية قد سبقتنا في المحاولة، ولكنها هي الأخرى قد عجزت عن تحقيق ما نرجوه ونتمناه؛ وهو تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وعلينا بالتالي ألا نصاب بالخيبة والإحباط بل علينا الاستمرار في المحاولة والمثابرة في السعي، ونشدان الغاية التي هي - اليوم - حلم كل فلسطيني ينتمي لهذا الفصيل أو ذاك.

نعم؛ قد نكون أخفقنا في كل محاولاتنا لأن نتقدم خطوة ملموسة في اتجاه تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، ولكننا في حقيقة الواقع نجحنا في تعزيز القناعة بضرورة تحقيقها، وقد تجذر الشعور لدى كل منّا بالمخاطر القاتلة من وراء تكريس حالة التباعد بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ووجود حكومتين تتحركان بدون تفاهمات أو أجندة وطنية مع غياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة لدى الطرفين.

لقد حاولنا كهيئة وفاق وبالتنسيق مع مؤسسة بيت الحكمة استلهام تجارب الآخرين في المصالحة المجتمعية، فقمنا باستضافة شخصيات من جنوب أفريقيا ومن إيرلندا الشمالية على مائدة مستديرة جمعت أطيافنا السياسية المختلفة، للتحدث عن تجارب بلادها الناجحة في تحقيق المصالحة والسلم الاجتماعي، وكذلك للاطلاع على تجربة كل من المغرب وجمهورية تشيلي في تحقيق العدالة الانتقالية.

كما قمنا في هيئة الوفاق ومؤسسة بيت الحكمة بدعوة قيادات الكتل الطلابية في الجامعات، والحديث حول ما يجمعنا ويبعدنا عن دائرة الخلاف والتلاحي، والتفاهم حول قواسم مشتركة لتوظيف طاقاتنا جميعاً بما يخدم الوطن ومستقبل الشعب والقضية، وقد لاقينا تفهماً من هؤلاء الشباب وطهارة ونبل أكثر مما نجده في حالة السياسيين الذين عادة ما يحرفون الكلم عن مواضعه، ويغرقون في فذلكات القول لتسجيل مكاسبٍ من الجدل ولحن القول.

وبالرغم من تلك الحصيلة المعرفية الواسعة لنا في هيئة الوفاق بتجارب الآخرين، ومحاولاتنا الدؤوبة في اقتفاء آثارهم وتتبع مسيرتهم، إلا أن الحالة الفلسطينية – للأسف - ظلت مستعصية على الحل حتى اللحظة، بالرغم من أنها كانت – نسبياً - الأقل عنفاً ودموية.

لقد باشرنا بموجة ثانية من الحراك شاركنا فيها مؤسسة (بال ثينك – Pal Think) والزميل عمر شعبان في سلسلة من اللقاءات بين القوى الوطنية والإسلامية، إلا أن كل الجهود لم تأتِ بالأكل الذي تتطلع له ساحتنا الفلسطينية.. لن نقول بأن الذي أصبناه من وراء هذه الجهود هو حصاد الهشيم، بل ألقينا حجراً كبيراً في بركة راكدة من الوحل السياسي، أثارت وعياً لدى البعض فبنى عليه حراكاً سياسياً بين غزة ورام الله، نأمل أن نجد صداه قريباً على شكل لقاءات أو آليات عمل لتنفيذ ما تم التوقيع والتفاهم عليه في القاهرة.

وفي محاولة منا لوضع النقاط على الحروف، وإيجاد تفسيرات لبعض الظواهر الشبابية والتي تثير القلق لدى الأجهزة الأمنية، نشير إلى أنه مع غياب آفاق الحل وإنهاكات حالة المراوحة في المكان، تنشط من حين لآخر تحركات يكون وراءها الشباب وبعض الغيورين على مستقبل الوطن، وقد تأخذ نداءاتها عناوين مقلقة للحالة الأمنية، فتبدأ عمليات التشكيك والتشهير بها، وتوضع لها عناوين تآمرية، ويتم تجريدها من ثيابها وألقابها الوطنية.!!

إن علينا أن نعترف بأن هناك جيلاً من الشباب فقد مستقبله، وضاعت ملامح الرؤية لديه، وغدا يمشي مكباً على وجه لغياب معالم الهداية وإرشادات الطريق المستقيم، فالأحزاب السياسية والقوى والتيارات الأيدولوجية والدينية مهتمة بتعظيم حالاتها ورفع راياتها، وهي صانعة الأزمة والعاجزة عن إخراجنا منها، لذا ينطلق الشباب بأفكار خلَّاقة للخروج بنا من دائرة الشلل والتيه.

في الحقيقة، إذا وجد هؤلاء الشباب من يسمع لهم ويتفهم مطالبهم، فربما يتم نزع فتيل الاحتقان والتمرد، وإذا ضاعت معالم الحكمة والرشاد في كيفية الأخذ بأيديهم، فسوف يأخذوننا إلى مسارات ومواجهات غير مريحة للوطن ولحسابات الأحزاب.

ما هي الخيارات والبدائل؟

إن هناك الكثير من الفعاليات والأنشطة التي يمكن أن نفتح فيها الباب لهؤلاء الشباب للانطلاق، والتحول إلى طاقة عمل إيجابية، وهنا - فقط - أورد عشرة منها، وهي كالتالي:

1- توسيع دائرة اللقاء والتفاهم مع قيادات هؤلاء الشباب حول موائد مستديرة للتعرف على رؤيتهم ومطالبهم.

2- فتح المجال لتشكيل أحزاب سياسية جديدة، وبهويات وطنية يجد هؤلاء الشباب أنفسهم في عمق حراكها وتوجهاتها.

3- تنشيط التجمعات الفكرية والثقافية في الديوانيات والصالونات السياسية لإيجاد متنفَّسات وطنية لهؤلاء الشباب، وفرص للحوار مع القيادات وطرح التساؤلات، وبهدف قطع الطريق على حالات الفراغ، وقديماً قالوا: "إن العسكر الذي تسوده البطالة يتعلم التمرد".

4- رعاية مشاريع طابعها جماعي للشباب، مثل: العرس الجماعي والإسكان التعاوني، وكذلك توفير فرص عمل للخريجين، مثل تلك التي ترعاها مؤسسة "شركاء السلام والتنمية من أجل الفلسطينيين".

5- إحياء المناسبات الوطنية، وترك حناجر الشباب تلعلع بالهتافات فيها، والسماح بالمسيرات والمناشط السياسية بدون تلاوين حزبية على مستوى الراية والشعار.

6- اختيار وزير للشباب يكون قريباً من هذا الجيل، بحيث يتفهم حاجاته، ويبدع في طرح المشاريع التي تخرجهم من فراغات أحاديث المجالس إلى ساحات العمل البنَّاء.

7- ضرورة إيجاد حلول لمشاكل السكن التي يعاني منها الشباب، وذلك بمنح المتفوقين منهم بعد التخرج شققاً بالتقسيط أو توزيع بعض الأراضي لإقامة سكن تعاوني، يخفف عن هؤلاء الشباب ضيق ذات اليد، التي تعاني منها معظم الأسر الفلسطينية.

8- الابتعاد عن كل ما يكرس ثقافة الفصيل ويعاظمها على حساب الوطن، وضرورة تجنيب المساجد الجداريات الحزبية، والحرص على بقائها لله؛ ساحات طاهرة للتآخي والتسامح ووحدة الشمل.

9- تنشيط الكتل الطلابية في الجامعات لتعمل معاً ضد الاحتلال وسياسات التطويق والحصار، ومماسة الدعوة والفعل لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام.

10- تضمين رئيس الوزراء في خطابه السبت القادم (19 أكتوبر) كلمة للشباب، يوضح فيها رؤية الحكومة للتعاطي مع مشاكل البطالة والخريجين، والحلول المقترحة لذلك.

التحالف الشبابي الوطني – الإسلامي

إن فكرة هذا التحالف هي جمع طاقات الشباب في صعيد واحد وبقيادة تنهض من بينهم، مع حاضنة آمنة ترعاها بعض الشخصيات الوطنية والإسلامية التي تحظى بإجماع وطني وحضور شعبي، وتتمتع بمكانة متميزة، من خلال مسيرتها النضالية لدى الغالبية العظمى من هؤلاء الشباب، والهدف من وراء ذلك هو حمايتهم من الانحراف أو الاستغلال، والحفاظ على توجهات حراكهم الشعبي بمؤشرات بوصلة خطوطها مستقيمة، وربان قادر على أن يهديهم إلى سواء السبيل .

إن هناك بين الشباب الخريجين من جامعاتنا الفلسطينية حوالي 70 ألف بدون عمل ولا أفق، وهؤلاء إذا لم نُشغلهم ويصبح لهم عناوين وطنية وإسلامية توجههم، فسوف ينشغلون بواقعهم الذي جافاهم وحاصر سماء النجم الذي به يهتدون.

إن من حق هؤلاء أن نلتفت إليهم، وأن نسمع شكواهم ونجوى مجالسهم، لأن هذا هو الطريق الذي ينبثق منه النوار، وتأخذ الحكمة بصماتها للصدور.

إن الكثير من هؤلاء الشباب يتلهى بقصة شعر حيناً، وببنطال مثير للسخرية حيناً آخر، وهي كلها أشبه بالحالة التي عبر عنها بعضهم، قائلاً: لا تحسبوا رقصاتي بينكم طرباً، فالطير يرقص مذبوحاً من الألم.

إنها حالة من الإفلاس الفكري والانحطاط الأخلاقي والضياع الوطني، وهناك من يتربص لاقتناصها.

فانتبهوا يا أولي الألباب..