نتنياهو يهاجم إيران ليتجنب استحقاقات فلسطين

بقلم: 

تجنب القضايا الصعبة والتركيز على الأسهل هو تكتيك معروف جيداً.

يبدو أن هذا كان وما زال تكتيك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فيتجنب القضية الفلسطينية الإسرائيلية بينما يركز تركيزاً كاملاً تقريباً على إيران ورئيسها المنتخب حديثاً.

يظهر هذا الهاجس بإيران ورئيسها حسن روحاني جلياً من خلال تحليل خطاب نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ففي خطابه الذي احتوى 3131 كلمة ذكر نتنياهو كلمتي إيران والإيرانيين 70 مرة، في حين ذكر كلمة يهودي واليهود 15 مرة فقط.

من ناحية أخرى، استخدم نتنياهو كلمة روحاني 24 مرة، بينما استخدم كلمة إسرائيل 22 مرة فقط. وظهرت كلمة «أمن» في خطابه ثماني مرات، بينما تمت الإشارة إلى كلمة «سلام» أربع مرات فقط.

في العام الماضي تمادى أيضاً رئيس وزراء إسرائيل في الخطاب المتشدد ضد إيران عندما رسم الخط الأحمر على صورة كاريكاتورية لقنبلة، ما ترك المجال واسعاً لرسامي الكاريكاتير وأصحاب التعليقات الساخرة للخوض فيه.

وفي حين تحـــاول الولايـــات المتحدة وبقية العالم إعطاء الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً فرصة، يبدو أن رئيس حكومة إسرائيل يصعّد لهجته الخطابية أكثر مما كانت عليه عندما كان محمود أحمدي نجاد المتشدد رئيساً لإيران.

تحليل مقارنة عدد الكلمات يجعل هذه النقطة واضحة جداً. في الأمم المتحدة وفي 2012، استخدم نتنياهو كلمة إيران أو الإيرانيين 52 مرة بالمقارنة بـالـ 70 مرة لهذا العام، وكلمة السلام 11 مرة العام الماضي مقابل اربع مرات فقط هذا العام.

المشكلة، إذاً، هي الصدقية. حجة نتنياهو تكمن بأنه لا يوجد فرق جوهري بين الزعيمين الإيرانيين. واحد هو ذئب في ثياب ذئاب، في إشارة إلى أحمدي نجاد، والآخر، روحاني، ذئب في ثياب حملان.

ما ينساه المسؤول الإسرائيلي أن الموضوع متعلق بصدقيته هو، أكثر من صدقية روحاني. فكثيراً ما يرتد الاستنفار الكاذب على المدعي، فضلاً عن أن الرأي العام العالمي يشكك في الأدلة الواهية التي يتم طرحها من هنا وهناك في الأمم المتحدة.

خلال السنين العشر منذ حرب أميركا المضللة في العراق، بقيت إحدى الصور الأكثر إيلاماً في ذاكرة العالم صورة لوزير الخارجية الأميركي الوقور، كولن باول، محاولاً توضيح ادعائه، والذي ثبت الآن خطؤه، بأن صدام حسين يمتلك أسلحة الدمار الشامل.

وبينما تصر إيران على أن برنامجها النووي لأغراض سلمية، فإن امتلاك إسرائيل ترسانة من الرؤوس النووية كما هو معروف عنها ورفضها، على عكس إيران، الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، يجعلان انتقادها إيران صعب الاحتمال.

حتى لو استطاع رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يقنع بعضهم بوجهة نظره بأن إيران تحاول تطوير قنبلة نووية، فإنه سوف يكون صعباً عليه إثبات أن هذه القنبلة تشكل تهديداً لدولة إسرائيل.

إن المطالب العربية والدولية بأن تكون منطقة الشرق الأوسط بأكملها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، خطت أخيراً خطوة كبيرة إلى أمام، عندما وافق السوريون على التخلص من كل الأسلحة الكيماوية.

كانت حجة إسرائيل في السابق أن إيران دولة مارقة وأن هدفها الرئيسي تدمير الدولة العبرية. هذه الحجة كانت أسهل بسبب الخطابات العاصفة لقادة إيران السابقين.

أما الآن فإن إسرائيل والمدافعين عنها حرموا من هذا السلاح، الأمر الذي يجعلهم يصرون على استخدام التشبيه بالذئب في ثياب حملان على رغم أن الولايات المتحدة وزعماء غربيين يتحدثون الآن مع الإيرانيين.

ولطالما جادل أصحاب الأمن الاستراتيجي بأن إسرائيل لا تستطيع شن هجوم فعال على إيران من تلقاء نفسها. وهكذا فقيام دور أميركي ناشط هو مطلب لأية مغامرة عسكرية محتملة ضد إيران. مع ذلك، هذا السيناريو انحسر بعد أن أظهر البيت الأبيض تردداً واضحاً في التدخل العسكري في سورية.

لذا، إذا كانت صدقية نتنياهو على المحك، وإذا كانت الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين على استعداد لإعطاء مطالب روحاني السلمية فرصة لإثباتها، فما هو إذاً الغــرض من الهجــمات الإســـرائيلية المـــستمرة ضد إيران؟

نظرة سريعة على سجل نتنياهو، منذ كان سفيراً لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، تظهر ميلاً للمبالغة في القضايا الإقليمية للحفاظ على الرأي العام العالمي بعيداً من قضية واحدة ترفض إسرائيل التزحزح عنها ألا وهي قضية فلسطين.

ومن المفارقات أن إحدى الحجج الرئيسة المنتشرة في إسرائيل هي أن إيران تخطط لإضاعة الوقت في المفاوضات بينما تطور قدراتها العسكرية النووية. قليلون في إسرائيل من هم على استعداد للنظر في المرآة ليروا كيف استخدمت الدولة العبرية منذ مؤتمر مدريد واتفاقات أوسلو هذا التكتيك تماماً لتضييع الوقت من أجل توسيع المستوطنات اليهودية غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما تشارك في مفاوضات رمزية مسدودة.

قبل مغادرته الأمم المتحدة، وعد نتنياهو بأن يقول الحقيقة في هذا المنتدى. ما رأيناه كان خطاباً آخر تهرَّب فيه من السياسات الإسرائيلية الاستعمارية، وركز على ما سيصبح سريعاً حجة باطلة في الأوساط العالمية.

المصدر: 
الحياة