خيارات حماس الإستراتيجية

بقلم: 

ليس من الصواب ان تتخذ الحركات الكبرى قرارات استراتيجية في ظل الأزمات، فحركة التاريخ ما زالت مستمرة، وديناميكية السياسة تجعل تقدير الموقف لصانع القرار ينطلق وفق طبيعة المرحلة، وبذلك تغيب القرارات الاستراتيجية، ولكن البحث في القرارات الاستراتيجية ضرورة ملحة، ويتم ذلك عبر تقييم التجربة والمسيرة، واستشراف المستقبل، وصياغة القرارات، وهذا يدفعنا لتقديم النصح لحركة حماس للبحث في الخيارات الاستراتيجية في ظل المعضلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها، وفي ظل انتهازية البعض من خصومها السياسيين الذين يبحثون عن زوالها ضمن فكر استئصالي جديد يجتاح الحالة الفلسطينية والعربية، وهذا يطرح تساؤلا حول ما هي خيارات حماس الاستراتيجية..؟
قبل التحدث عن الخيارات لا بد أن نعرّج ولو بايجاز على المراحل التاريخية التي رافقت الحركة الاسلامية، وتتوزع على مرحلة انطلاقة حماس وصولاً لاتفاق اوسلو، ومرحلة اوسلو وصولاً إلى انتخابات كلانون الثاني/يناير2006، ومرحلة إدارة الحكم.

أولاً: مرحلة انطلاقة حماس وصولاً لاتفاق أوسلو

بعد انطلاق شرارة الانتفاضة الكبرى في كانون الاول/ديسمبر1987، انطلقت حركة حماس من رحم جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين، والشواهد التاريخية تقول ان جماعة الاخوان قررت المشاركة بأعمال الانتفاضة ضمن حركة سياسية تحررية، ففي حال فشلت لا يسجل أي سيناريو للفشل على الجماعة الأم، ولكن حماس نجحت إلى حد كبير في استقطاب الآلاف من الشباب الفلسطيني المتحمس، وبدأت مسيرة حماس النضالية تتطور حتى وصلت إلى تشكيل نواة الجناح العسكري وبدأت المقاومة المسلحة تشق طريقها، وتحقق انجازات على الأرض، حتى بدأت مفاوضات مدريد وأوسلو، وخرج من رحم اتفاق أوسلو وليد مشوّه أطلق عليه السلطة الفلسطينية.

ثانياً: مرحلة أوسلو وصولاً إلى انتخابات يناير 2006

أنشئت السلطة الفلسطينية نتيجة للتوقيع على اتفاق أوسلو، واعتقد الجميع أن هذا الاتفاق سيقودنا نحو الدولة المستقلة، وسينهي الاحتلال، ولكن للأسف اصطدم الشعب الفلسطيني بواقع جديد، وبإدارة جديدة للاحتلال، من خلال قيام السلطة الفلسطينية بلعب دور وظيفي أمني يخدم نظرية الأمن الاسرائيلي، مقابل مساعدات الدول المانحة التي تدفقت مساعداتها ومنحها على الفلسطينيين، وأصبح عندنا جيش من الموظفين ينتظرون رواتبهم وعلاواتهم، فسقطت عن كاهل اسرائيل فاتورة احتلالها للأرض، مع بقاء الاحتلال الإسرائيلي، ولكنه أخذ اشكالاً مختلفة فهو من يسيطر على المعابر وعلى البضائع وعلى البحر والجو والبر، وهذا ما دفع الرئيس الراحل ياسر عرفات لأن يتمترس في كامب ديفيد، وأن يرفض الضغط الأمريكي والعرض الاسرائيلي في ما يتعلق بالقدس والمقدسات، وحينها اندلعت شرارة انتفاضة الأقصى، وحدثت تحولات في توازنات القوى على الساحة الفلسطينية، حتى جاءت الانتخابات التشريعية في يناير 2006، وحصدت حركة حماس 74 مقعداً من مقاعد البرلمان.

ثالثاً: مرحلة إدارة الحكم

بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية وتشكيلها للحكومة الفلسطينية العاشرة، اصطدمت بالواقع المرير للسلطة الفلسطينية، وبزيف الادعاءات الغربية عن قيم الديمقراطية والشراكة، فاشترطت الرباعية الدولية شروطاً مجحفة على حركة حماس، وحكومتها العاشرة، وساهمت قوى داخلية في ذلك عبر رفضها المشاركة في ادارة الحكم، بأسباب وذرائع مختلفة، ونتج عن ذلك حصار شديد، وعنف داخلي متبادل، سرعان ما تدحرج نحو اقتتال حسمت المعركة فيه لصالح حركة حماس وحلفائها، وبدأت حالة الانقسام تزداد والفجوة تكبر، وأزمة الثقة تتدهور، والاحتلال وحلفاؤه يدعمون ذلك، حتى وصلنا لما وصلنا إليه اليوم من تراجع للقضية الفلسطينية، ومن ارتهان قرارنا السياسي للمتغيرات الاقليمية والدولية، وتربص الأطراف الفلسطينية ببعضها بعضا، ولا أحد يعلم أين تسير الأمور، ولكننا أصبحنا بحاجة لمرحلة مراجعة وتقييم لكل شيء، ومن هنا فإنني أقدم لحركة حماس نصيحة قابلة للدراسة والمناقشة وقد تستطيع من خلالها المناورة السياسية بما يخدم المشروع الوطني، ويقلل الفجوة بين الحركة الوطنية الفلسطينية، لأن الهدف الاستراتيجي لدى الجميع هو تحرير فلسطين وعودة اللاجئين.
بعد هذا التقييم الموجز للمسار التاريخي لحماس، فإن هناك خيارين جديرين بالدراسة، وهما:

خيار الاعلان عن حزب سياسي مدني ينطلق من رحم حركة حماس، ويكون قادرا على احداث اختراق في حائط الصد الغربي، ويهدف لإدارة الشأن العام وتعزيز صمود المواطن، ويستلهم افكاره من الفكر الاسلامي الوسطي، القادر على احتواء كل مكونات المجتمع الفلسطيني، والمتعايش مع محيطه الإقليمي والدولي. وتبقى حركة حماس عنوان المقاومة والتربية وبناء الانسان الفلسطيني.

خيار تعديل ميثاق حركة حماس، الذي كتب عام 1988، وغلب عليه الخطاب الديني التعبوي، وربما هذا الخطاب يحتاج إلى اعادة تقييم لمفرداته ولبعض مواده، حتى تستطيع حركة حماس المناورة مع المجتمع الدولي ومع الشرعية الدولية وتؤسس لنظام سياسي حضاري يلبي احتياجات المواطن ويحشد طاقاته باتجاه انجاز مشروعه التحرري.