فلسطينيو الـ48.. والحركة الوطنية الفلسطينية

بقلم: 

تشير التحليلات البحثية التي كتبت عن العلاقة بين فلسطينيي أراضي الـ 48 المحتلة وحركة التحرر الوطني الفلسطيني، إلى أن فلسطينيي الـ48 يعيشون حالة من الهامشية على مستوى الحركة الوطنية الفلسطينية، إذ لا تعتبرهم الأخيرة جزءاً من القضية الفلسطينية !! ولم يتم إدراجهم في البرنامج الوطني والمشروع السياسي الفلسطيني.
إن قضية فلسطينيي الـ48 والتي بدأت بعد نكبة عام 1948 جزءٌ لايتجزأ من القضية الفلسطينية بمفهومها الواسع، لقد كانت منظومة العلاقات بين فلسطينيي أراضي الـ48 وبين مكونات الشعب الفلسطيني ومؤسساسته دائماً ذات حساسية بالنسبة إليهم كأفراد وكجماعة، وإذا أخذنا بعين الإعتبار تاريخ العداء بين الحركة الوطنية الفلسطينية والحركة الصهيونية، فإننا نجد أن حالة فلسطينيي الـ48 كانت دائماً مصدر تحد للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وبما أن "م.ت.ف" اعتُبرت في المرحلة المنصرمة "تنظيماً إرهابياً " ! فإن أي صلة بينها وبينهم تعتبر مخالفة للقانون الإسرائيلي، وعلى الرغم من أن بعض سكان أراضي الـ48 أقاموا علاقات مع " م.ت.ف " قبل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، فإن العملية السياسية أتاحت إقامة علاقات وثيقة مع جميع مكونات الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده.
معالم الحالة في أراضي الـ 48 المحتلة :
تأتي أهمية السياق أعلاه في ضوء التحليلات التي تعرضت لمسألة موقف فلسطينيي الـ48 من التسوية السياسية التي جرت أوائل التسعينيات من القرن الماضي وما زالت مستمرة دون أفق منظور، وكذلك التأييد الواسع لهذه العملية كونها تشكّل أداةً لتحسين المكانة الحقوقية والمدنية لهم، بمعنى أن تبلور الموقف السياسي من المسألة الوطنية برمّتها تم من خلال منظور المكانة الحقوقية والمدنية كسكان أصليين في أراضيهم، لا من منظار الهوية الوطنية الجماعية، إذ ربط فلسطينيو الـ48 بين حل القضية الوطنية واسترداد الحقوق المشروعة وفي المقدمة منها حق تقرير المصير، وبين تحسين مكانتهم الحقوقية والمدنية.
وتتمثل المعضلة على صعيد العلاقات بين "م.ت.ف" وبين فلسطينيي الـ 48 في الفجوة بين الوعي الذاتي لكونهم فلسطينيين وبين الانتماء للشعب الفلسطيني بقيادة " م.ت. ف "، وعلى الرغم من أن المنظمة تعتبر لدى الشعب الفلسطيني الممثل الشرعي والوحيد للشعب في مختلف أماكن تواجده فإن أحداً لم يزعم أن المنظمة لا تمثل فلسطينيي الـ48، لذلك ومن أجل أن تكتمل صيغة الاستنتاج القياسي ينبغي التركيز على:
1 ـ م. ت. ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
2 ـ فلسطينيو الـ 48 جزء لايتجزأ من الشعب الفلسطيني.
3 ـ وبالتالي فإن م.ت.ف تمثل فلسطينيي الـ 48 أيضاً.
ومع بداية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية برزت من جديد مسألة العلاقات بين فلسطينيي الـ48 والحركة الوطنية الفلسطينية كأمر مركّب أكثر مما كان متوقعاً، وعلى الرغم من أن مكانة فلسطينيي الـ48 هي جزء من القضية الفلسطينية فإن المفاوضات الراهنة بين "م.ت.ف" وإسرائيل تجاهلت تماماً هذا الجانب. إن هذا التجاهل يعبّر عن مدى التفاعل المتدني بين الطرفين، فالفلسطينيون في الشتات وداخل أراضي الـ 48 لم يكونوا شركاء في إقامة المؤسسات الوطنية والسياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما أن الحركة الوطنية الفلسطينية لم تر في همومهم الوطنية موضوعاً رئيسياً في جدول الأعمال الوطني، بالإضافة إلى ذلك تعاملت إسرائيل دائماً مع قضايا الفلسطينيين جميعها داخل أراضي الـ48 على أنها مسألة إسرائيلية داخلية، وحذت حذوها قيادة "م.ت.ف" التي لم تطرح قضايا جوهرية تتعلق بجميع مكونات الشعب الفلسطيني انطلاقاً من خصوصية كل تجمّع على طاولة المفاوضات مع إسرائيل.
لقد انتقلت "عدوى "الإقصاء" بممارسات الحركة الوطنية من مستوى القيادات السياسية البراغماتية والتي تتطلع إلى إنجاز مشروعها السياسي من خلال المفاوضات فحسب ، إلى المستوى الثقافي والوعي الوطني والاجتماعي الذي يحرك الهوية الجماعية والتطلعات المستقبلية، فعلى الرغم من تطور الخطاب السياسي الفلسطيني منذ سيطرة فصائل العمل الوطني على مؤسسات "م.ت.ف" فإن خطاب مناهضة الاحتلال واسترداد الحقوق الوطنية والقومية المشروعة التي كفلتها قرارات الشرعية الدولية تقلصّا ليخصّا الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبدرجة أقل الفلسطينيين في الشتات مع استثناء تام لفلسطينيي الـ48، فقد انتقل وبالتدريج معنى "الأرض المحتلة" من كونه مصطلحاً يمثل فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، إلى كونه يخص الأجزاء من فلسطين التي احتلت عام 1967، وتم استثناء الأراضي التي احتلت عام 1948 وسكانها الأصليين من نقاشات ومؤتمرات وندوات المستقبل الفلسطيني!! عدا بعض الشعارات العامة التي تتحدث عن صمودهم وتجذّرهم كجزءٌ هام من الشعب الفلسطيني تاريخيّاً. كما أن الدراسات والأبحاث والتحليلات السياسية النقدية التي تشكك بجدوى اتفاق أوسلو والمفاوضات العبثية ما زالت تنظر إلى الاحتلال على أنه يشمل ما احتلّ عام 1967، وهي جميعها وتقريباً بلا استثناء تتبنى الموقف السياسي الذي يتعامل مع فلسطينيي الـ48 كقضية "إسرائيلية داخلية" ! وهكذا تكرّس في وعي بعضهم بمساعدة بعضهم الآخر من الفلسطينيين أن الاحتلال والنكبة لايبدأان عام 1948، بل في آثار حرب عام 1967.
فلسطينيو الـ 48 من الهامش إلى المركز:
يتعلق مستقبل فلسطينيي الـ48 بداية بقدرتهم على وضع قضيتهم ومكانتهم والتساؤل عن مستقبلهم في مركز الأحداث السياسية، كشعب أصيل له مشروعه الوطني وليس رديفاً ومستثنى لصالح مهمات "ذات أولوية"، بذلك واعتمادا على تجارب الجماعات القومية الأخرى يجب أن يتم صياغة وتوضيح مشروعهم المستقبلي وملامحه الأساسية كمشروع مختلف عن باقي المشاريع العامة أو الخاصة في المنطقة، وحتى كمشروع مساهم بإخراج الحركة الوطنية الفلسطينية من أزمتها الراهنة، ومن الواضح أن أحد أهم ملامح ضعف فلسطينيي الـ48 يكمن في كونهم تابعين لمشاريع غيرهم، كما أن المشروع الوطني الفلسطيني لايتعامل معهم كشركاء بل كلاعبين ثانويين! فهذا الوضع لم يوصلهم إلى إنجاز جماعي خاص بهم وإنما فاقم وسيفاقم أوضاعهم الصعبة أصلاً.
وطبعاً فإن التيارات السياسية والأحزاب الفاعلة في المجتمع الفلسطيني مسؤولة عن عدم المقدرة على استنباط آليات عمل ونضال من شأنها تغيير هذا الواقع، ومن المؤكد أن ارتباك القيادات السياسية الفلسطينية داخل أراضي الـ48 في تطوير ورقي العمل النضالي الموّحد والمشترك هو أحد أهم أسباب هذا الوضع القائم ويؤدي إلى غياب عمل واضح من أجل حشد الدعم والتضامن مع نضالهم، وإذا أخذنا بالاعتبار المحددات التي تحكم إمكانات التغيير في المجتمعات المنقسمة ومراحل هذا التغيير، فلا بد من الإشارة إلى أن نجاح نضال فلسطينيي الـ48 يشتمل على شرطين واحد أساسي وآخر مكمّل وهما:
ـ الشروع بتنظيم الجماهير الفلسطينية بوصفها "جماعة قومية" ذات أهداف موحدة واستعمال الوسائل المدروسة لتدعيم الأهداف الموضوعة طبعاً من خلال المحافظة على التعددية والحوار الداخلي المفتوح ويعتبر تنظيم الجماهير المهمة الأساسية للقيادة السياسية لفلسطينيي الـ48، وفقط عندما ينتظم سكان البلد الأصليين بشكل سياسي، وليس على شكل الجمعيات والمنتديات والمنظمات الأهلية الطوعية، يمكن البدء بالسير على الدرب الطويل من أجل نجاح النضال والتقدم نحو الواقع الطبيعي لمجموعة أصلية في وطنها.
ـ القدرة على إحداث التغييرات الجذرية في بنية المجتمع الفلسطيني الداخلية مقابل مؤسسة "الدولة اليهودية".. ويمكن الشروع في استعمال مصطلح "التغيير من الداخل أولاً" بالتزامن مع إنجاز مجموعة من التغييرات الداخلية في كل المجالات مثل: التنمية، الثقافة، الاقتصاد، التربية والتعليم، الصحة العامة، الإدارة المحلية، مكانة المرأة، تمكين الشباب..إلخ، فالمقصود ليس تغييرات طفيفة وإنما ثورة حقيقية هي جزء من عملية ومسار النهوض لفلسطينيي الـ48 من جهة، ولنجاح مسار تبوئهم مركز أساسي وقيادي في مشروع التحرر الوطني الفلسطيني العام من جهة أخرى.

المصدر: 
المستقبل