عن السياسة الخارجية الفلسطينية

بقلم: 

جاءت تصريحات الرئيس التشيكي الاخيرة خلال احتفالات أيام الثقافة الإسرائيلية في التشيك لتدق ناقوس الخطر وتثير جملة كبيرة من الأسئلة التي لا بد من مواجهتها فيما يتعلق بسياستنا الخارجية ودورنا في رسم هذه السياسة وتنفيذها. 
بالطبع فإن الرئيس التشيكي ميلوش زيمان عبر في خطابه الاخير ليس عن موقف منحاز لصالح إسرائيل بل عن جهل كبير بالصراع العربي الإسرائيلي، كما عبر أيضاً عن فشل فلسطيني ذريع في مجال الحراك السياسي الخارجي.
لم يطالب فقط بنقل السفارة التشيكية إلى القدس بل أيضاً استخف بالمشاعر الوطنية الفلسطينية حين طالب بتوطين الفلسطينيين في بلدان عربية عائداً بذلك إلى الخطاب السياسي الذي كان سائداً بسذاجة في غرب اوروبا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. 
إنه ذات الموقف المكمل لموقف التشيك الصدامي مع كل دول أوروبا حين صوتت ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة العام 2012 بجانب الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الصغيرة. 
لقد وقفت براغ مخالفة كل المواقف الأوروبية التقليدية منذ مقررات قمة "البندقية" العام 1980 لتصطف بجوار واشنطن في ذلك. 
الجنوح الاوروبي الشرقي للدخول لواشنطن من بوابة تل أبيب ليس مقصوراً على براغ بل كان ومازال في اجزاء كبيرة من وسط وشرق أوروبا سمة بارزة لسياسات دولها الخارجية وهو ما يفسر التعاون العسكري والاستخباراتي الواسع وغير المسبوق مع الكثير من هذه الدول مثل التشيك وبلغاريا ورومانيا. 
هل تذكرون التدريبات العسكرية بين سلاحي الجو الإسرائيلي والروماني في جبال "كراباثيان" حيث قتل ستة من الجنود الإسرائيليين وجندي روماني واحد في تموز 2011. 
لكن يبدو أننا لا نتعلم ولا نقوم برسم سياستنا الخارجية وفق منهجية علمية ترتكز على تحليل وتوصيف الواقع السياسي في الدول المختلفة ومستجداته ومصالحنا ومصالح خصومنا واعدائنا والمتغيرات المحتملة في خيارات الدول التي نقيم معها العلاقات، بجانب تحليل عناصر ضعفنا وقوتنا وفرص تأثيرنا على خيارات تلك الدول. 
إن أي تحليل لسياسات دول اوروبا الشرقية كان سيقود إلى ضرورة وجود "خطة" إنقاذ سياسية تتبناها وزارة الخارجية من اجل العمل على التخفيف من التدهور في مواقف هذه البلدان التي صارت معادية لمصالح شعينا ولحقوقه السياسية. 
لقد كانت هذه الدول ذات يوم، نبكيه، أصدقاء حميمين وداعمين لحقوقنا!!
لكن يبدو أن وزارة الخارجية الفلسطينية عاجزة عن فعل ذلك وهي بحاجة لمراجعة امام هذا القصور الخطير في الأداء حيث إن عدم الالتفات إلى تبعات الموقف التشيكي مثلاً منذ التصويت السابق في الأمم المتحدة قبل عام يستدعي المحاسبة والمساءلة للطواقم المختلفة.
لقد كان الموقف التشيكي السابق قبل عام يستحق وقفة ومراجعة وخطة إنقاذ للتأثير على صناع السياسة الخارجية التشيكية. 
كما أن الفعالية المشار لها والتي ألقى الرئيس التشيكي فيها خطبته السيئة كان معلنا عنها منذ شهر آذار مطلع العام، وإن أي مراجعة لموقع وزارة الخارجية الإسرائيلية سيكشف جدول هذه الفعاليات، لكن يبدو أنه لا يوجد متابع ولا مهتم إذ إن لدينا مفهومنا الخاص للسياسة الخارجية مختلفا عن المهنية والعلمية، لأننا نسينا أن العمل الدبلوماسي الفلسطيني هو ما وصفه الراحل الكبير خالد الحسن بـ "دبلوماسية المواجهة". 
ليس لأن السيد وزير الخارجية يتحدث الأسبانية حيث درس في أميركا اللاتينية يجب ان تتحول اميركا اللاتينية إلى مركز الكون السياسي في السياسة الخارجية. 
التحول الكبير في مواقف أميركا اللاتينية لم يحدث اليوم بل مرتبط بالتحول في دول تلك المنطقة من حكم العصابات والديكتاتوريات إلى حكم الاحزاب اليسارية التي عانت من اضطهاد الديكتاتوريات. 
كانت إسرائيل بالمقابل تدعم الجنرالات في حروبهم ضد إرادات الشعوب في أميركا اللاتينية، ومن المنطقي فور تسلم اليسار للحكم أن يأخذ موقفاً من إسرائيل لدعمها لهؤلاء الطغاة. 
وعليه فإن تحولاً وإنجازاً لم يحدث في اميركا اللاتينية جراء تلك الزيارات. 
رغم أن ثمة ملاحظتين في هذا المضمار تتعلق الاولى بالدور الكبير الذي قامت به حركة فتح ومفوضياتها المختلفة في تجنيد بعض الدول اللاتينية المترددة، بجانب ضرورة مراجعة القصور وعدم الإنجاز في التأثير على مواقف بعض الدول.
فيما كانت المعركة لابد أن تحدث في مكان آخر في العالم: في أوروبا الشرقية حيث بات الكثير من بلدان تلك المنطقة مغلقا علينا وفي أفريقيا حيث يقوم مركز المساعدات الإسرائيلية "موشاف" بتجنيد النخب السياسية والأكاديمية عبر دورات وبرامج لصالح إسرائيل، وفي دول آسيا حيث تحاول إسرائيل اختراق دول آسيا الاسلامية وتستهدفها بالكثير من الخطط والبرامج وسنخسرها تدريجياً. 
هل ينظر أحد إلى علاقتنا مع الهند الآن وكيف تبدلت؟ وكيف ربما لن يكون مستغرباً إذا امتنعت الهند قريباً عن التصويت على القرارات المتعلقة بالصراع (هي لن تصوت ضد، ولكنها ستمتنع عن التصويت على الاقل). هل تريدون ان تعرفوا كيف تعمل إسرائيل في دول الباسيفيك أقرؤوا الفصل الذي كتبه السفير على القزق حول علاقات إسرائيل الدولية في الكتاب الذي احرره وسيصدر عن مركز "مدار" بعد أسابيع.
أظن أننا بحاجة لنفض السلك الدبلوماسي وإعادة ترتيب وزارة الخارجية حتى تصبح قادرة على حمل المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقها وليست مجرد وزارة عادية مثل وزارة التموين دون الانتقاص من أحد. 
إن مهمة إصلاح وزارة الخارجية تتطلب وقفة جدية مع مهام الوزارة وطريقة عملها التي حددها قانون السلك الدبلوماسي ولائحته التنفيذية وعدم انتهاكهما، ومن اجل تجاوز مهام الوزارة والتعدي عليها لصالح برامج مختلفة. 
لا توجد مساحة كبيرة للمزيد من الخسائر. اول درس يتعلمه ضابط المتفجرات بأن الخطأ الأول هو الخطأ الاخير، ونحن حين اخطأنا بسبب تآمر عربي ودولي، تقدير المواقف الدولية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين خسرنا فلسطين. 
بالكاد نجحنا بفضل دماء الشهداء وعذابات الأسرى والجرحى في الحفاظ على خيط صغير واهن يربطنا بأرض الآباء والأجداد، يجب أن نحذر أن لا نقطع هذا الخيط بسبب سوء فهمنا للواقع الدولي.

المصدر: 
الأيام