ترسيم حدود دولة فلسطين.. مرتكزات لهجوم سياسي فلسطيني مصري اردني مشترك

بقلم: 

اكدت تجربة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية وخاصة بعد اتفاق اوسلو ،ثم المفاوضات المتعددة ، استناد استراتيجية اسرائيل التفاوضية إلى المعارضة المنهجية لقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على حدود الرابع من حزيران 1967 ،ورفض الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين استنادا إلى القرار 194 ،أي باختصار معارضة الحل على اساس مرجعية قرارات الامم المتحدة .

وفي معرض تأكيد هذه المعارضة فقد طورت اسرائيل استراتيجيتها للحل البديل عن ذلك ،منذ كان قائما على مفهوم الحكم الذاتي ابان مفاوضات كامب ديفيد الاولى بين اسرائيل ومصر ،والذي اعيد انتاجه بصورة اخرى مفتوحة على عدة احتمالات في اعلان المباديء في اوسلو ، او بعد ذلك في سعي اسرائيل إلى حلول انتقالية او مؤقتة بديلا عن الحل النهائي بما يعني ادامة امد الاحتلال ،خاصة في ظل استمرار احداث التغييرات الجوهرية على الارض من خلال التوسع والاستيطان وبناء جدار الفصل وتهويد القدس .

غير ان خطة شارون للانسحاب الاحادي من غزة تمهيدا لخطوة لاحقة في الضفة الغربية ،شكل الاساس لجوهر المشروع الاسرائيلي البديل القائم على ما يسمى الحل الاقليمي ،والذي يتلخص في فرض اعادة تفكيك الوحدة السياسية للضفة الغربية وقطاع غزة بما يعني نسف الاساس المادي لقيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع واستكمال ذلك بفرض اعادة تركيب علاقة جزئي الدولة الفلسطينية (الضفة بعد ضم اجزاء واسعة منها والقطاع ) بدول الاقليم المجاورة ،مصر والاردن ،في اطار حل اقليمي يمثل البديل الملموس عن الدولة المستقلة ذات السيادة ،ويقضي نهائيا على مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة.

وقد مهد شارون للدفع بهذه الاستراتيجية من خلال التنصل ايضا من تنفيذ خارطة الطريق وكسب موافقة الادارة الامريكية على ربط مرجعية قرارات الامم المتحدة بمرجعية الوقائع التي فرضها الاحتلال على الارض من خلال رسالة ضمانات بوش لشارون عام 2004 .

وقد شكل انسحاب اسرائيل الاحادي من قطاع غزة واعتبارها كيانا منفصلا، و مطالبة الامم المتحدة من قبل اسرائيل بالاعتراف بانتهاء الاحتلال عن القطاع ، المحور الاساس لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ودفعها باتجاه الاعتماد على مصر ،وفك الروابط بينها وبين السلطة في الضفة الغربية من جهة ،وبينها وبين مسؤوليات الاحتلال الاسرائيلي من الجهة الاخرى ،وبالتالي تكريس صورة مستقبل منفصل لقطاع غزة عن الضفة الغربية ،وقد عرضت ونشرت في اطار هذه الرؤية اقتراحات اسرائيلية متنوعة تقوم على توسيع قطاع غزة باتجاه سيناء من خلال السعي للاتفاق مع الدولة المصرية على ذلك .

اما الشق الثاني من خطة شارون المتعلق بالضفة الغربية فيما سمي بخطة الانطواء ، فانه يقوم على استكمال بناء الجدار وتوسيع الاستيطان وربط الكتل الاستيطانية ببعضها وباسرائيل ،وفرض الحدود من طرف واحد ،إلى جانب السعي لزيادة مسؤوليات الأردن في الشان الفلسطيني.

ويعتمد مشروع اسرائيل للحل الاقليمي(بغض النظر عن التسمية المباشرة التي يأخذها ) في الفكر السياسي الاسرائيلي على المزج بين نظرية (القوة )،والنظرية اللبرالية (المصالح )،ولذلك فقد طورت اسرائيل الياته من خلال استخدام القوة في خلق وتنمية وقائع تعزز المصالح المحلية في الضفة والقطاع وعلى مستويات اضيق ايضا ،كما تستفيد من واقع التناقضات القائمة في الساحة الفلسطينية بين القوى السياسية وتحديدا حماس ومنظمة التحرير وخاصة فتح ،وبين مراكز قوى ومجموعات مصالح نمت وتطورت من خلال السلطة قبل الانقسام وبعده ،هذا على الصعيد الفلسطيني ،وعلى الصعيد الاقليمي باستغلال الواقع الراهن الذي تواجهه للدولة المصرية في سيناء بفعل القيود التي فرضتها اتفاقات كمب ديفيد ،وواقع المسؤولية لتي القيت على كاهل مصر بسبب الحصار والعدوان الاسرائيلي على غزة من جهة وبين الرفض المصري للتسليم بتنصل اسرئيل المنهجي عن التزامات قوة الاحتلال تجاه قطاع غزة من الجهة الاخرى ،اما فيما يتعلق بالاردن فقد تمثل ذلك في محاولة استدراج الأردن ، رغم رفضه ، للعب دور اكبر في الضفة الغربية والذي تكثف بمساندة الولايات المتحدة ،بعد التهديدات التي اطلقها في حينه الرئيس ابو مازن بالاستقالة او باعادة النظر في وضع السلطة والتزاماتها وما اسماه "تسليم مفاتيح السلطة ".

الانقسام يخدم الحل الاقليمي :

ولا شك ان المراهنة على انقسام السلطة الفلسطينية بما يعزز مشروع الحل الاقليمي كانت حاضرة دائما في الفكر السياسي الاسرائيلي ، ،فلطالما كرر المرحوم عمر سليمان وزير المخابرات المصرية الاسبق ،في جلسات الحوار العديدة في القاهرة قبل 2005 ،ما كان يقوله له شارون دائما بالا يتعب نفسه بالحوار الفلسطيني لان الفلسطينيين حسب شارون (لم يتفقوا ولن يتفقوا) ...

وقد تاكدت هذه المراهنة الاسرائيلية بالانقسام الذي ترسخ في السلطة الفلسطينية بعد 2007 ،وبشكل خاص في كون حركة حماس قد شكلت بقصد او بدون قصد القاعدة السياسية والجهوية للتعاطي مع المشروع الاقليمي من خلال تكريس (كيان ) غزة ،بل وعمقت التوجه نحو ذلك من خلال تحويل استيلائها على السلطة في غزة ، من قضية (اضطرارية )كما ادعت في حينه ،إلى قضية مركزية للتمسك بالسلطة وتكريسها والى محاولة ترسيخ كيانية مستقلة تديرها حماس وتسعى لترسيخ ادارتها واستقرارها من خلال ترسيخ الروابط الادارية والتجارية والاقتصادية مع الدولة المصرية ،سواء بصورة رسمية في اطار ما كان يطرح من افكار و مقترحات من مثال اقامة منطقة تجارة حرة او ما شابه ،او من خلال اضفاء الشرعية على حركة الانفاق وتجارتها،والتي تحولت من قضية حاجة إلى فك الحصار إلى (بزنس )يعبر عن شبكة مصالح تجارية واقتصادية جديدة نشأت في ظل هذه الحالة على حساب طبقة التجار والاعمال التقليدية في القطاع ،وقد امتد هذا الامر ايضا إلى استخدام الاراضي الحكومية والى محاولة الهيمنة التجارية والاقتصادية على كافة المرافق الحيوية في قطاع غزة .

وقد ساعدت تجارة الانفاق على استقرار نسبي في قطاع غزة حيث شكلت من ناحية اخرى مصدرا للبضائع الرخيصة لابناء القطاع مما كان يخفف من حدة الحصار الاقتصادي والمعيشي لغالبية ابناء قطاع غزة ،فضلا طبعا عن كونها شكلت احد مصادر ايرادات سلطة حماس .

*الاخوان

وبدون شك فان وصول الاخوان المسلمين إلى الحكم في مصر ،ونشوء نمط جديد من التحالفات الاقليمية والدولية التي دعمت مقولة تعزيز سلطة الاخوان المسلمين في المنطقة العربية باسرها تمهيدا لنشوء شرق اوسط جديد ،يلعب فيه الاسلام المعتدل الدور المركزي على انقاض انظمة الحكم السالفة ،وهي المقولة التي شهدت استقطابا تحالفيا واضحا بين تركيا وقطر وحركة الاخوان المسلمين برعاية الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية ،اعطى دفعا كبيرا لتعزيز انفصال قطاع غزة وزيادة روابطها على اساس هذا الانفصال بالدولة المصرية ،وبالتالي توسيع فرصة نجاح الحل الاقليمي بصورة غير مسبوقة ،خاصة وانه في مقابل ذلك كانت اسرائيل تسعى لابتزاز منظمة التحرير وتهديدها على خلفية تمسكها برفض المفاوضات ورفض الدولة ذات الحدود المؤقتة .

وقد راهنت اسرائيل إلى جانب الواقع الذي نشأ في قطاع غزة على تكون قاعدة سياسية وحتى اجتماعية للحل الاقليمي في الضفة الغربية ،وهي بسبب ذلك كثفت من سعيها لاضعاف السلطة المركزية الفلسطينية باستثناء موضوع الامن ،واستخدمت في وجهها التضييقات المالية والاجرائية في المجالات الواسعة التي تتحكم بها اسرائيل بدءا من رفضها اعادة الاوضاع إلى ما كانت عليه قبل 28 ايلول 2000 ،وانتهاء بزيادة اعتداءاتها في مناطق ج وفي قضايا التجارة والمياه والتوسع الاستيطاني وبناء الجدار وغيرها ،كما واجهت بالتهديد والرفض اية محاولات لاستعادة الوحدة الفلسطينية واعتبرت ذلك خطا احمر لا يمكنها التسليم به .

وقد كان يصب في ذات اتجاه الحل الاقليمي ، الموقف المتكرر للاخوان المسلمين في الأردن ،الرافض لفك الارتباط والاشارات المستمرة إلى خطأ ذلك بما يمثل ايحاء واضحا باتجاه استعادة علاقة الأردن مع الضفة الغربية لى حالتها السابقة وخارج اطار قيام الدولة الفلسطينية المستقلة .

ان واقع منظمة التحرير الفلسطينية ،بما مثلته من تعبير عن الهوية الوطنية الفلسطينية ،ومن برنامج يرتكز إلى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كما عبر عنها اعلان الاستقلال وبرنامج منظمة التحرير الذي اقر عام 1988 ،مكنها بما فيها حركة فتح من رفض المشروع الاقليمي وحال بينها وبين ان تكون القاعدة السياسية لتحقيقه ،رغم سعي اسرائيل المنهجي والمتواصل لتشكيل قاعدة مصالح لهذا الحل .

لكل ذلك ولكل الاسباب الاخرى ، اكتسبت اهمية كبرى مساعي انهاء الانقسام والتي باتت ضرورة لتعزيز طلب اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين وانهاء الاحتلال عن اراضيها ،لان الرد المنهجي على مشروع الحل الانتقالي الاسرائيلي كان يعني بوضوح التمسك بالحل الوطني القائم على الدولة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية ،كجزء من الحل النهائي الذي يرتبط بضمان حقوق اللاجئين وفي مقدمتها حق العودة وفقا للقرار 194.

*الاعتراف بدولة فلسطين

ويجب ان يسجل هنا بكل مسؤولية للرئيس ابو مازن ،وبغض النظر عن اية اختلافات جدية تجاه الموقف من المفاوضات واستئنافها ،انه في اصراره على الذهاب بطلب عضوية فلسطين للامم المتحدة وبرفضه للدولة ذات الحدود المؤقتة قد شكل سدا منيعا في وجه الانجراف نحو الحل الاقليمي، في الوقت الذي كانت كل العوامل المحيطة تساعد عليه وخاصة وصول الاخوان إلى الحكم في مصر و في ظل مشهد عربي يتصدره الاخوان المسلمون تحت رعاية قطر وتركيا ،ودور الاخوان في المعارضة السورية المدعومة من الولايات المتحدة ،وفي ظل تكريس الانقسام الفلسطيني ،واستغلال اسرائيل الجشع لكل ذلك عبر توسيع الاستيطان والضم وتجاهل المجتمع الدولي ،وعبر سلوكها المنهجي لتحويل السلطة الفلسطينية إلى سلطة منفصلة عن أي ارتباط بهدف الدولة الفلسطينية المستقلة ..

* ضربة للحل الاقليمي

غير ان التغيرات السريعة والعاصفة التي شهدتها مصر بعد 30 حزيران ، ضربت القاعدة السياسية للحل الاقليمي المرتكز على انفصال غزة وتمددها او انفتاحها جنوبا باتجاه مصركجزء منفصل عن الضفة الغربية ،وقد ترافق هذا الوضع الجديد مع اخفاق المشروع الامريكي في سوريا واثره المباشر على لبنان وايران ،فضلا عن سلسلة الارتباكات الاخرى لهذا المشروع في تونس وليبيا وغيرها،وكذلك تراجع وضع الاخوان في الأردن ،وحيث باتت تتعزز خارطة جديدة للتوازنات الاقليمية والدولية تلعب روسيا والصين ودول البريكس دورا اكبر فيها .

ان كل ذلك يفسح المجال ليس فقط للاجهاز النهائي على المشروع الاسرائيلي للحل الاقليمي(الذي ترفضه مصر والاردن ) ولكن ايضا يمهد الطريق لهجوم سياسي فلسطيني معاكس من اجل تحقيق استقلال دولة فلسطين وانهاء الاحتلال عن اراضيها ،والى الاستفادة القصوى في ذلك اولا من مصر والاردن التي كانت هدفا للمشروع الاقليمي الاسرائيلي ،وثانيا من مجموع الدول العربية التي يجب ضمان مساندتها ،بالاضافة إلى الاطراف الدولية وخاصة الاتحاد الاوروبي وروسيا والصين ،من اجل الضغط على اسرائيل والولايات المتحدة لانهاء الاحتلال عن اراضي دولة فلسطين ومن اجل بدء عملية سياسية جدية ومختلفة عن العملية التفاوضية العقيمة الجارية الان ،وذلك تحت رعاية الامم المتحدة ولتنفيذ قراراتها.

* مبادرة

ان المبادرة في خلق مقدمات هذه العملية ،تتوفر بصورة جدية امام الاطراف التي كانت هدفا للمشروع الاسرائيلي الاقليمي وهي فلسطين ومصر والاردن كي توحد جهودها بصورة اكبر واكثر فاعلية بهدف تحفيز التحرك السياسي العربي والدولي وحثه على انجاز استقلال دولة فلسطين ،وفي الاستفادة من مجمل التحولات الاقليمية والدولية في سبيل هذا الهدف ،خاصة وان مواصلة مساعي اسرائيل لفرض الحل الاقليمي تعني تهديدا مباشرا لهذه الاطراف فالاردن في الاستراتيجية الاسرائيلية هو الدولة الفلسطينية ،واستمرار الازمة في العلاقة المصرية مع حماس يحول غزة إلى عبء والى انحراف في اولويات العلاقة ومستقبلها واما بالنسبة لفلسطين فانه يشكل ضربة مميتة لهدف الدولة الفلسطينية الذي يمثل الهدف المركزي لحركة التحرر الفلسطينية .

* ترسيم الحدود

ان المبادرة من اجل ذلك يتخطى نطاق التنسيق التقليدي بين الدول العربية إلى مستوى بناء توجه استراتيجي فلسطيني مصري ،اردني مشترك لادارة وقيادة هذه العملية والتحرك لتحقيقها في الساحة الدولية ،وحتى بغض النظر عن الالتزام الفلسطيني باستمرار المفاوضات لتسعة اشهر ،فان بالامكان اتخاذ خطوات تمهيدية ضرورية لصياغة استراتيجية التحرك هذه على الساحة الاقليمية والدولية ،ويمكن في سياق ذلك المبادرة للاعلان المشترك عن ترسيم حدود الدولة الفلسطينية مع جارتيها المصرية والاردنية ،دون انتظار لنتائج المفاوضات ،وهو ما ينسجم مع اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين ،وهو ما يمهد للتوجه إلى الامم المتحدة من اجل ترسيم الحدود النهائي بين دولة فلسطين واسرائيل ،استنادا إلى اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين ،والى قرارات الامم المتحدة الاخرى بهذا الخصوص ،وكذلك استنادا إلى اتفاق دولة فلسطين مع جارتيها فيما يخص حدودها المشتركة مع الأردن ومصر،والى مطالبة الامم المتحدة بانهاء الاحتلال عن اراضيها .

ان خطوة من هذا القبيل اضافة إلى فائدتها المعنوية والسياسية خاصة انه لا يوجد خلاف اصلا بين الدول الثلاث على حدودها فان لها اهمية عملية باتجاه اعادة ارساء علاقات غزة مع مصر على اسس تحول دون أي استخدام خاطيء لها ،ووفقا للطبيعة الخاصة للعلاقات المتعارف عليها بين الدول ،وهو ما يجعل اية معالجة لنمط هذه العلاقة تبنى على الافق السياسي من جهة وعلى الاستفادة من التجارب السابقة من جهة اخرى ،وبعيدا عن الاعتبارات الادارية والامنية المجردة ،وبما يحول دون أي استغلال لهذه العلاقة خارج اطار المصالح المشتركة لدولة فلسطين ودولة مصر الشقيقة ،كما ان ذلك بالنسبة للاردن وفلسطين يعني قطع الطريق على مساعي اسرائيل المستمرة للسبطرة على الاغوار ،وكل ذلك ياتي عمليا في اطار استكمال الخطوة الفلسطينية بالتوجه إلى الامم المتحدة بما في ذلك تكريس حسم قضية الحدود التي تتهرب منها اسرائيل في كل مفاوضات ،من خلال الارادة الدولية ومن خلال تحميل الامم المتحدة لمسؤولياتها في حل هذا الصراع بعد ان زاد دورها في التدخل لحل الصراعات الاخرى في المنطقة .

انهاء الانقسام

وفي هذا السياق فان ضرورة انهاء الانقسام باتت لا تحتمل التاجيل ،فالى جانب كل الاثار الخطيرة للانقسام فان هناك خطرين جديدين يجب الالتفات اليهما بسرعة ،الاول ان انعكاس الانقسام واثره النوعي المباشر على الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة زاد بما لايقاس بعد اغلاق الانفاق والارتفاع الفاحش في الاسعار ،وشح الموارد التي كانت تجبى او تحصل بطرق غير صحيحة بما فيها كما اسلفنا من خلال الانفاق بالاضافة إلى كل التعقيدات السابقة من ظواهر الفقر والبطالة وسوء الخدمات والاغلاق المتكرر لمعبر رفح ،مما ينذر بكارثة شاملة في قطاع غزة ،وهو إلى ما يمكن ان يحمله من انفجار فانه يترافق مع استعداد غير مسبوق للمعالجة الامنية الذي تلوح به حركة حماس خاصة بعد انهيار حكم الاخوان في مصر وتراجع هذه الحركة وازدياد ازماتها في المنطقة .

ان الافتراض المشروع بامتداد هذه الحالة إلى قطاع غزة يولد ميلا مقابلا لدى حماس واقسام مختلفة منها من اجل الدفاع عن حكمها باي ثمن وللتطرف في محاولة تعويض خسائر حركة الاخوان في المنطقة باستمرار هذا الحكم في غزة ،خاصة وان تجربة حماس بالنسبة للاخوان المسلمين شكلت رصيدا ايجابيا للحركة الام التي استثمرت وضع حماس والقضية الفلسطينية لصالح تعزيز مكانتها ودورها ،وفي ظل هذا النوع من التفكير وما يمكن ان يقابله من عناصر انفجار موضوعية اقتصادية واجتماعية وسياسية تتشكل في قطاع غزة فان الخطر اما من مغامرات يائسة او من تصادم مدمر يبقى خطرا جديا لابد من تفاديه .

واما الخطر الثاني فهو في تداعيات العلاقة مع الدولة المصرية ،ان استمرار الانقسام ينذر بانعكاسات غير مسبوقة على علاقات قطاع غزة بمصر ،وبالشعب الفلسطيني عموما ،ورغم انه من الصحيح تماما ان هناك فرق صريح ولا بد من ابرازه بين اهالي قطاع غزة والشعب الفلسطيني عموما وبين سلوك حركة حماس او أي من التنظيمات الفلسطينية ،الا انه من السذاجة بمكان الارتياح إلى هذا الامر .

فقد تراجعت النظرة نحو الفلسطينيين بشكل عام لدى الراي العام المصري ،وقد لعبت بعض وسائل الاعلام دورا سلبيا بهذا الشأن قبل ان تجري محاولة تدارك ذلك ،وهناك فرق كبير طبعا بين مؤسسات الدولة المصرية وقادة الرأي فيها والذين يعرفون ويتصرفون بمسؤولية عالية تجاه هذه القضية دون التباس او خلط او تردد وبين تبعات هذه الحالة غير الصحية التي نشأت بما في ذلك ان اية اجراءات مشروعة للدولة المصرية دفاعا عن مصالحها وامنها تتسبب دون قصد بمعاناة كبيرة لابناء شعبنا في قطاع غزة .

هذه المخاطر الماثلة يجب احتواؤها باقصى سرعة ،ولكن الاساس في ذلك يعتمد على حركة حماس التي يتوقف عليها الكثير اولا في الكف عن اية سلوكيات تستفز او تتدخل في الشأن المصري ،وثانيا في بناء مقاربة حقيقية لا تحتمل التاجيل ، لانهاء الانقسام وفقا لما تم الاتفاق عليه وبما يضمن الشراكة والتعددية و تعزيز الديموقراطية في النظام السياسي ،وهو ما يعني تشكيل حكومة توافق وطني واحدة من جهة وتحديد تاريخ للانتخابات العامة من جهة اخرى .

ولا شك ان الحاجة لترسيخ وحدة المفاهيم والاليات لمرتكزات النظام السياسي الفلسطيني بالاضافة إلى مرتكزات نضاله الوطني تصبح ذات اهمية اكبر ،ولهذا فان اعادة تاكيد الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني ضرورة لا بد منها في الجانب الوطني السياسي ،كما ان الالتزام بالقانون الاساسي او بدستور مؤقت لدولة فلسطين يحدد طابع النظام السياسي والدولة المدنية المنشودة ، ومرتكزاتها الديموقراطية يمثل ضرورة ايضا ،ولهذا تصبح الحاجة إلى تشكيل مجلس تأسيسي لدولة فلسطين من اعضاء المجلسين المركزي لمنظمة التحرير والتشريعي في الفترة الانتقالية إلى حين اجراء الانتخابات ضرورة سياسية وعملية وقانونية ايضا لمستقبل وحدة النظام السياسي ولاستعادة روحية العمل الوطني المشترك على أسس صحيحة من الشراكة ومن الديموقراطية .

ان استمرار الانقسام بات يهدد بشكل غير مسبوق بأضرار سياسية ومجتمعية واقتصادية لا قبل للشعب الفلسطيني بها ،وفي حال الابتعاد عن معالجتها عبر الوحدة وانهاء الانقسام فانها ستقود إلى عنف دموي والى احتمالية التصعيد سلبا في العلاقة مع الدولة المصرية ،وفي كل الاحوال إلى رهن غزة بيد اسرائيل ،وتوسيع هامش الابتزاز الاسرائيلي لكل من الرئيس ابو مازن ولحركة حماس ذاتها التي لم يعد بمقدورها منفردة ان تعيد تنظيم علاقاتها مع الدولة المصرية حتى بالاشكال السابقة على حكم الاخوان المسلمين .

ان تجاهل حماس لهذا الوضع الجديد يجعل من المغامرة والتضحية بمصالح الجماهير وبالقضية الوطنية خطرا وانحرافا جسيما لا بد من تجنبه ،كما انه في ذات الوقت يجعل من تدخل الرئيس ابو مازن وبقية القوى الوطنية ضرورة اكثر من أي وقت مضى لتجنيب شعبنا ما هو اسوأ واخطر من كل ما سبق.