«إغلاق الحكومة» وتطورات الشرق الأوسط

بقلم: 

الإغلاق الجزئي للحكومة الأميركية كان كارثياً بالنسبة لمصداقية الولايات المتحدة في العالم، وذلك لأنه أضعف قدرة أميركا على تقديم وعود، أو إعطاء ضمانات، أو الاستئثار بدور الزعامة الدولية التي كان "المحافظون" بشكل خاص يعتقدون حتى الآن أنها مصير البلاد وقدرها الحتمي. غير أن ذلك لا يعزى إلى الأحداث التي وقعت بقدر ما يعزى إلى التفاهة وعدم المسؤولية اللتين باتتا اليوم صفتين ملازمتين للسلطة التشريعية في الولايات المتحدة.

ويمكن القول إن الشخصيات السياسية الخارجية الأكثر تأثرا بهذا الأمر هي نتنياهو، الذي ألقى كلمة أمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء، وأعضاء حكومته في إسرائيل. ذلك أن الإسرائيليين عمدوا منذ بعض الوقت إلى تشويه استعمال مصطلح "وجودي" وتحريفه عن معناه الفلسفي، بحيث صار يعني الحرية في استعمال البروباجندا بمعنى تهديد للوجود. وتبعا لذلك، فإن ما حدث في نيويورك وواشنطن وموسكو وطهران ودمشق بات يمثل الآن تهديداً وجودياً لإسرائيل. وقبل أن تدخل الأسلحة الكيماوية على الخط في الحرب الأهلية السورية، كان الإسرائيليون يقفون بمنأى عن تلك الحرب، اعترافاً منهم بصعوبة تقييم نتائجها المحتملة. وكانت المشكلة تتمثل فيما إن كان نظام الأسد سيتمكن من التمسك بالسلطة في بلده، أم سيسقط أمام ما بات ينظر إليه باعتباره تحركا ًغير منظم من جانب الثوار، أم ما إن كانت سوريا ستخضع في النهاية لسيطرة "الجهاديين الأصوليين"، وهي الأكثر خطورة من بين الإمكانيات الثلاث فيما يتعلق بأمن إسرائيل.

في البداية، بدا دليل استعمال الأسلحة الكيماوية مثل ضربة مميتة لموقف الأسد الدولي، وذلك بعد أن حُمِّل المسؤولية عن فظاعة نزعت المصداقية عنه وعن قضيته. غير أنه إذا بقي في السلطة، فإن موقف إسرائيل لن يتغير.

والواقع أن احتمال تغير النظام، وصعود قوى أصولية سُنية متشددة، قد يعني أن القوى المعادية لإسرائيل ستستمر في السيطرة على البلاد. غير أنه إذا كانت هذه الحكومة الجديدة خاضعة لنفوذ بعض الدول العربية، فإن وضع إسرائيل لن يتغير عموماً، طالما ظل الجيش المصري مسيطراً على الوضع في مصر.

بيد أن نتيجة الانتخابات الإيرانية التي أجريت هذا العام التي جاءت بروحاني رئيساً، وتلميحه إلى مقترحات جديدة لتسوية مشاكل إيران مع الولايات المتحدة والغرب (وبشكل ضمني، إسرائيل)، والتي حظيت بمباركة المرشد الأعلى في إيران، هي التي خلطت أوراق نتنياهو، وقلبت توقعاته رأساً على عقب؛ حيث أدخلت هذه الأحداث معطيات جديدة على الوضع الإقليمي، وباتت تطرح تهديداً كبيراً بالنسبة للعلاقات الإسرائيلية- الأميركية.

ثم إن هذا حدث تحديداً في اللحظة التي أرغمت فيه الأحداث في سوريا، والمبادرات الدبلوماسية الجديدة التي أتى بها بوتين وأوباما، الذي كان حتى ذلك الوقت يعامَل بازدراء من قبل نتنياهو ومحيطه – على لعب الدور المهم الذي بات يضطلع به اليوم في الأزمة. فالآن، بات على الرئيس الأميركي أن يختبر إمكانيات تسوية المشكلة النووية مع إيران، ويبحث سبل التعاون غير المتوقع مع روسيا في التعاطي مع أزمة الأسلحة الكيماوية في سوريا، وذلك على اعتبار أن مساراً جديداً قد يكون فُتح في اتجاه تسوية للحرب الأهلية في ذلك البلد – تحت رعاية الأمم المتحدة، المنظمة التي لطالما كانت إسرائيل تكرهها وتخشاها باعتبارها أداة الشرعية الدولية.

والواقع أن الأمم المتحدة كانت تطرح دائماً تهديداً لإسرائيل طالما أن هذه الأخيرة مستمرة في انتهاج سياسة التوسع وضم الأراضي الفلسطينية، وتواصل سياساتها الحالية للسيطرة على سكان البلاد الفلسطينيين، والتي بات يصفها حتى منتقدو إسرائيل الداخليون باعتبارها غير قانونية وشكلاً من أشكال التمييز العنصري.

وعلاوة على ذلك، فإن حظر الأسلحة الكيماوية، الذي وعدت به سوريا كموقِّعة جديدة للاتفاقية الدولية التي تمنع حيازة هذا النوع من الأسلحة، يترك إسرائيل التي يعتقد الجميع أنها تمتلك مخزونات من هذه الأسلحة، في عزلة نظراً لأنها لم توقع الاتفاقية. ومن المعلوم أن الهدف من أسلحة سوريا الكيماوية، كان خلق نوع من توازن الرعب، الذي يردع إسرائيل ويثنيها عن مهاجمة سوريا؛ غير أنه إذا كان أمن سوريا الآن مكفولاً من قبل روسيا، فيمكن القول إن إسرائيل نفسها باتت معزولة عن سوريا بواسطة حاجز أكبر وأكثر رهبة من أي وقت مضى.

الهدف من وراء المكالمة الهاتفية التي دارت بين أوباما وروحاني قبل مغادرة هذا الأخير لنيويورك، كان هو تشجيع المساعي الرامية إلى مفاوضات إيرانية- أميركية، ومدى تحقق المراقبين الأميركيين والأجانب من ذلك. وفي حال حدوث ذلك، فإن إسرائيل ستظل الممتلك السري الوحيد للأسلحة النووية في المنطقة، وذلك بعدما رفضت توقيع اتفاقية حظر الانتشار النووي التي ترعاها الولايات المتحدة. وهذا بدوره موقف غير متوقع كلياً، ومزعج دون شك، تجد إسرائيل نفسها فيه.

نهاية مثل هذه السلسلة من التطورات، قد تكون تنظيم وتقنين مخزونات الأسلحة التقليدية التي تمتلكها سوريا وإيران، وهو ما يترك إسرائيل تبدو كبلد خارج على القانون، ليس بسبب حيازتها أسلحة الدمار الشامل فحسب، ولكن أيضاً بسبب توسعها المستمر وسياسات التمييز العنصري تجاه الأراضي الفلسطينية وسكانها. وهذا كله من شأنه أن يطرح سؤالاً جوهرياً بشأن العلاقات الإسرائيلية- الأميركية.

محلل سياسي أميركي

المصدر: 
«تريبيون ميديا سيرفس»