المطلوب منح الحل الديموقراطي في فلسطين فرصة

بقلم: 
في مقالة رأي تحت عنوان "على اسرائيل إلغاء اتفاقات اوسلو" نشرت في صحيفة "نيويورك تايمز" يوم ٢١ أيلول الجاري عرض داني دانون نائب وزير الدفاع الاسرائيلي رؤيته الخاصة ( التي يفترض أنها لا تتفق بشكل جذري مع رأي رئيس الوزراء) من أجل "حل طويل الأمد" لما وصفه "بالمشكلة الفلسطينية" - ويتمثل الحل في إلغاء "اتفاقات اوسلو" والتخلي عن أي تظاهر بالسعي "لحل الدولتين" من أجل أن "تتوفر فرصة لإعادة التفكير في المعالم الراهنة والأمل بإرساء الأسس لأسلوب أكثر واقعية في التعامل بين اليهود وعرب هذه المنطقة".
ونظرا لأن "اتفاقات اوسلو" التي كان يجب من الناحية القانوية البحتة أن تنتهي مع انتهاء "المرحلة الانتقالية" التي حددت بعام ١٩٩٩، قد اثبتت نجاحا مشهودا لاسرائيل وكارثة فشل بالنسبة للفلسطينيين، فإن الفلسطينيين وكثيرا من مؤيدي القضية الفلسطينية الذين لا يوجد بينهم وبين دانون شيء مشترك غير ذلك، يشاركونه الرأي بالرغبة في التخلص من قفص "اوسلو" و"إعادة التفكير" في أفضل الطرق للسير نحو الأمام.
وعلى أي حال فإن مشكلة التعايش الاسرائيلي- الفلسطيني إذا كان لها أن تحل في يوم من الأيام، فيجب إعادة تعريفها وفهمها بوضوح. واولئك الذين يسعون للعدل والسلام في الشرق الأوسط عليهم أن يتصفوا بالجرأة ليتحدثوا بصراحة وبأمانة عن "المشكلة الصهيونية" ثم يستخلصوا النتائج الأخلاقية والعملية التي تترتب عن لك.
وعندما كانت جنوب أفريقيا تحت نظام عنصري عرقي استعماري استيطاني، اعترف العالم بأن المشكلة هي النظام السياسي والأيديولوجي لتلك الدولة. وكل من كان خارج جنوب أفريقيا عندما يشير "للمشكلة السوداء" أو "المشكلة الوطنية" (أو في هذا السياق) إلى "المشكلة البيضاء" كان يصنف على أنه "عنصري".
واعترف العالم كذلك أن الحل لتلك المشكلة لا يمكن العثور عليه لا في "الانفصال" أو ما يعرف بالأبارتهيد والمحميات المتناثرة للسكان الأصليين المعروفة بالدول المستقلة لدى نظام جنوب أفريقيا، والبانتوستانات عند بقية العالم، ولا في إلقاء الأقلية الاستعمارية الاستيطانية في البحر. وإانما - وهو ما رضي عنه العالم كله وارتاح إليه- وهو الديموقراطية، حيث يتخلى البيض في جنوب أفريقيا عن أيديولوجيتهم العرقية ونظامهم السياسي، ويتقبلون أن مصلحتهم ومستقبل أبنائهم توجد بشكل أفضل في دول ديموقراطية غير عنصرية بحقوق متساوية لكل من يعيشون فيها.
الحل بالنسبة للأرض التي محيت حرفيا من الخريطة عام ١٩٤٨ هو الحل نفسه. ولا يمكن تحقيقه إلا بالديموقراطية.
"الأفق السياسي" المتآكل لحل الدولتين المقبول، الذي يصبح أقل واقعية على الأرض مع كل عام يمر ومع تمدد المستوطنات (التي يقيم فيه الآن حوالي ٦٠٠ ألف مستوطن، والطرق الالتفافية والجدار الفاصل مثقل بقضايا "الوضع النهائي" العالقة التي رفضت الحكومات الاسرائيلية باستمرار بحثها بجدية، مفضلة تأجيلها حتـى نهاية طريق لم يتم الوصول إليه أبدا، والذي من شبه المؤكد أنه لن يتم الوصول إليه.
وتماما كما أن الزواج هو أسهل بكثير من الطلاق، فالديموقراطية أقل تعقيدا بكثير من التقسيم. وحل ديموقراطي يتجاوز لصهيونية لن يتطلب حدودا يتم الاتفاق عليها، ولا تقسيم القدس، ولا خروج أي إنسان من بيته الحالي، ولا أرصدة يتم تقييمها وتخصيصها. الحقوق الكاملة للمواطنة يجب ببساطة أن تشمل كل المواطنين الذين ما يزالون يعيشون في البلاد، كما حدث في الولايات المتحدة أوائل القرن العشرين، وفي جنوب أفريقيا أواخر القرن العشرين.
العقبة أمام هذا الحل البسيط الذي لا يمكن العيب عليه هي بالطبع ثقافية ونفسانية. فالاسرائيليون الذين روعتهم المحرقة النازية واعتبروا أنهم غير آمنين كجزيرة يهودية في بحر عربي لديهم مشكلات نفسية في التأقلم مع استحالة البقاء إلى الأبد كدولة عنصرية، حيث أن معظم الأمم كانت ضحايا للاستعمار، ونظامهم مبني على التطهير العرقي للشعب الأصلي.
وبالفعل فقد وضع الاسرائيليون أنفسهم في موقف مستحيل فعليا. ومن أجل إحساس الأميركيين بمرارته يمكنهم تخيل ما ستكون الحالة عليه في بلادهم لو أن المستوطنين الأوروبيين لم يبيدوا بالفعل السكان الأصليين ويبعدوا من تبقى منهم عن الأنظار والعقول، ولو أن نصف السكان الأميركيين كانوا من الهنود الحمر، دون حقوق إنسانية فقراء وتغلي نفوسهم بالنقمة، ويعيشون حياة يومية خالية من العدالة التي حرمهم منها المستوطنون الأوائل.
وربما يحاول الأميركيون تخيل أكثر من ذلك وهو أن تكون كندا والمكسيك دولتين مستقلتين للهنود الحمر، ولم تتوافقا مع الغزو والاستعمار الأوروبي لأرضهما وعدد سكانهما أكبر من سكان الولايات المتحدة. هذا لن يكون مجتمعا بهيجا للحياة فيه. وسيتعرض المستعمِرون والمستعمَرون معا بشكل مستمر للانتقاص منهم.ويمكن للمستعمِرين منطقيا استنتاج أن الذين احتلوا أرضهم لن يغفروا لهم أبدا وأنه لا يمكن تخيل أي "حل". هكذا كان الحال حتى الآن وسيستمر في الأراضي الواقعة تحت حكم اسرائيل.
والتصويت بأغلبية كاسحة في الأمم المتحدة يوم ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٢ على تأكيد وضع فلسطين كدولة بحدود ما قبل ١٩٦٧ أوجد، دون تجاهل الاحتلال المتواصل، قانوية لحل الدولتين، لكن الوضع على الأرض كان حقيقة وجود دولة واحدة، وليست هناك أي علامة على أن أي دولة أخرى راغبة أو قادرة على تغيير هذا الواقع.
وربما تكون ما وصفها دانون بـ"الجولة العشرين من المحادثات" النفخة الأخيرة من المتابعة غير المجدية لحل انفصالي بالنسبة لمن يعيشون وسيظلون يعيشون في :الأرض المقدسة". وربما يستطيع الذين يهتمون بالعدل والسلام ويؤمنون بالديموقراطية البحث بعد ذلك عن وسائل لإقناع الاسرائيليين بتجاوز الأيديولوجية الصهيونية، والتوجه نحو رؤية إنسانية تحمل الأمل والديموقراطية أكثر من الحقائق الراهنة والاحتمالات المستقبلية.
ولا يستطيع أحد القول بأن التحول الأخلاقي والثقافي اللازم لتحقيق "حل الدولة الواحدة" سيكون سهلا. وعلى أي حال، فإن المزيد والمزيد من الناس يدركون الآن أن حلا معقولا للدولتين أصبح مستحيلا.
وحان الوقت بالتأكيد بالنسبة لمن يعنيهم الأمر في كل مكان - وخصوصا للأميركيين، المتعلقين عاطفيا بالديموقراطية - لتخيل طريق أفضل لتشجيع الاسرائيليين على تصور أسلوب أفضل لمساعدة الاسرائيليين والفلسطينيين معا على السير فيه. وقد حان الوقت بالتأكيد، كذلك، للتفكير جديا بالديموقراطية، وإعطائها فرصة.