الأقصى مسؤولية الجميع

بقلم: 
يأتي تصعيد العدوان المتواصل على المسجد الأقصى والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة, في ظل ظروف خطيرة تعيشها أمتنا العربية والإسلامية عامة وفلسطيننا خاصة, وان المستفيد الأول والرئيس في هذا الظرف هو الطرف الإسرائيلي والذي يمنهج هجماته العدوانية على المسجد الأقصى والمقدسات ويهود القدس المحتلة ضمن منظار لشبكة الصراع والاقتتال العربي العربي وانشغال العرب بأمورهم الداخلية والثورات الشعبية التي يحيها شعب سوريا ومصر العروبة, وانشغال الإدارة الأمريكية والدول الأوربية بأولوياتها في نزع ترسانة السلاح الكيميائية لدى النظام السوري وتراجع القضية الفلسطينية مؤقتا.

لذلك أود أن أعلل قليلا بما يحدث بالمسجد الأقصى والذي شهد ويشهد عدوانا مستمرا وحتى هذه اللحظة ويتواكب ويتكالب عليه مجموعات متطرفين (لما يسمى جبل الهيكل) تزامنا (بعيد العرش) ومجموعات من المستوطنين اليمينين اليهود حيث كان في السابق يرافق كل مجموعة مرشد ديني يشرح لهم وبعض من الشرطة لحراستهم من أي تدخل من قبل المسلمين في المكان, وهذه الزيارات لم تكن مسموحة في المكان سابقا ولكن حكومة نتنياهو المتطرفة بدأت وبشكل ممنهج قبل سنوات بالسماح بالدخول للأقصى وبشكل تدريجي كمسؤولي دين أو مسؤولي امن ومن ثم لمجموعات صغيرة بحجة السياحة, ومن ثم وصلت لمجموعات تضم العشرات من الاسرائيليين المتدينين المتطرفين إلى أن أصبح دخولهم إلى باحات الأقصى امرا اعتياديا وعلى (عينك يا تاجر) مع حفاظ قوات الاحتلال في نفس الوقت على قمع أي تحرك فلسطيني يعارض دخول اليهود إلى الأقصى فمنعت بعض الشيوخ والأئمة من دخول الأقصى والقدس ليشمل هذا شخصيات وطنية دينية. في حين يتواجد المسلمون في المسجد الأقصى أوقات الصلاة وخاصة ظهر يوم الجمعة فان محاولات اليهود المتطرفين وقطعانهم تتم عادة في ساعات الصباح حتى الظهيرة وهي الساعات التي يقل فيها عدد المصليين المسلمين المتواجدين في الأقصى وباحاته.

وأمام هذا فان الاعتداءات العدوانية والمتكررة لقطعان المستوطنين والمتطرفين للمسجد الأقصى والحفريات والانفاق التي يحفرونها تحت المسجد، لا تأتي من فراغ وليس اعتيادي، بل إن له هدف كبير يستحق الوقوف أمامه من الامة العربية والاسلامية كافة والتحذير منه على كافة المستويات والصعد, وانه يشكل تطورا خطيرا بات ينذر بتفجير الأوضاع أمام هذه الاعتداءات المتكررة والممنهجة لانتهاك حرمة المسجد الأقصى بهدف تغيير الواقع القائم الديني والديمغرافي لمدينة القدس المحتلة وهو ما يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي, ويضع مزيدا من العقبات أمام جهود السلام وإحراج القيادة الوطنية الفلسطينية. تعيد المنطقة من جديد إلى أجواء التوتر والعنف, في حين تتجاهل إسرائيل ومتطرفوها بهذه الممارسات الفاشية أن المقدسات خط أحمر لا يمكن لأي فلسطيني أو عربي أو مسلم أو مسيحي أن يسلم باستمرار هذه الاعتداءات. فان المسجد الأقصى والمقدسات في القدس ليست فقط مسؤولية فلسطينية وإنما مسؤولية عربية وإسلامية ومسيحية, عدا المسؤولية الدولية. كما انه من الواضح ان بيانات الشجب والإدانة التي تثار لم ولن تردع إسرائيل ومتطرفيها عن تنفيذ مخططاتهم المعلنة الهادفة إلى تهويد مدينة القدس المحتلة (وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى) وحسم الصراع فيها من جانب واحد بعد ان كانت القدس على امتداد العصور والتاريخ رمز التسامح والسلام.

ان مستوى التحديات وجسامتها التي تواجه المدينة المقدسة والعاصمة الابدية والعتيدة للدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة باتت بحاجة الى رد عربي اسلامي موحد، جاد وحازم، وان سلطتنا الوطنية الفلسطينية قادرة ومتمكنة للخوض بكل الاختيارات, وعليها ان توجه لاسرائيل ومتطرفيها رسالة واضحة (بان للصبر حدود) وايضا للمجتمع الدولي بان العالم العربي والاسلامي لا يمكن ان يبقى صامتا ازاء هذه الاعتداءات المتكررة وان على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته والزام اسرائيل بالامتثال للشرعية الدولية والتوقف مباشرة عن عدوانها السافر الذي يمس مشاعر كل عربي ومسلم كما يمس مشاعر المسيحيين الذين تتعرض اماكنهم المقدسة للتدنيس والاعتداءات بحراسة وحماية حكومة الكيان.

لقد حان الوقت كي تفهم حركة حماس بان الأقصى في خطر ومن دون الرجوع عن انقلابها الدموي وانهاء الانقسام وتوحيد الوطن والعودة الى حضن الشرعية الوطنية الفلسطينية ستكون هي مشاركة ومساهمة بما يحصل للاقصى من تدنيس واعتداءات لهدف كبير معلن.

المطلوب من الدول العربية والإسلامية الالتفات إلى المدينة المقدسة ومقدساتها، وما يحاك وينفذ ضدها، فان هذه الدول العربية والإسلامية خاصة تلك التي تربطها علاقات على مستويات مختلفة مع إسرائيل، لديها الكثير من الأوراق والوسائل الضاغطة اقتصادية كانت او غيرها والتي لم تستخدمها بعد وحتى الان في مواجهة هذا التعنت والتحدي الإسرائيلي السافر.

أمام هذا كله، نحن بانتظار موقف جاد عربي وإسلامي, وليس المزيد من بيانات الشجب والاستنكار أو الإدانة وفي هذا السياق فان قرارات كثيرة اتخذت ولم تنفذ, وهي مسؤولية الزعماء العرب وقادة العالم الإسلامي قبل غيرهم والشرعية الدولية .. (وأآآقصآه – وأآآقصآه - وأآآقصآه) هذه الصرخة المدوية ستبقى صرخة في واد, ليس فيه زرع, ان لم تلقَ آذان صاغية لها, ليس فقط في ساحات المسجد الأقصى, أو في المدينة المقدسة المحتلة وإنما حيثما تواجد المسلمين في شتى بقاع العالم.