عن الأسلحة الكيماوية والنووية... و«التوازن الاستراتيجي» مع إسرائيل!

بقلم: 

يعرف «الحليفان الاستراتيجيان» في دمشق وطهران، جيداً وقبل غيرهما، أن لا مستفيد من نزع الأسلحة الكيماوية السورية وتدميرها أكثر من إسرائيل، إذا لم تكن المستفيد الوحيد.

لكـنهما وأترابهما في المحور الذي يرفع لافتة «المقاومة» و«الممانعة» في المنطقة، لا يشيرون إلى هذه الحقيقة ولو تلميحاً.

وإذا كان السؤال الذي يطرح نفسه هنا عن الجهة التي قدمت هذه الهدية الثمينة لإسرائيل: روسيا، صاحبة المبادرة لتقديمها بعد التهديد الأميركي بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، أم الولايات المتحدة التي لا تني تؤكد التزامها أمن إسرائيل والدفاع عنها، أم هو النظام السوري نفسه من أجل بقائه بعد أن بات عنقه تحت المقصلة، فلا حاجة للنقاش في أن اتفاقاً بين الأطراف الثلاثة مفتوحاً على الطرف الرابع (إيران) كان في صلب قرار التخلي عما وصف دائماً بأنه عامل «التوازن الاستراتيجي» مع القدرة النووية الإسرائيلية.

وهذا يطرح بدوره السؤال الأساسي: هل انتقل الحليفان والمحور الذي يدور في فلكهما إلى «الخطة ب» في حربهما الإقليمية والدولية الشاملة، والتي تعني كما في كل معركة خاسرة، مجرد البقاء على قيد الحياة بعد أن سدت في وجههما كل الطرق والأبواب، أم أن ما حدث هو انحناء أمام العاصفة كسباً للوقت من ناحية وإعادة تجميع للقوى استعداداً لمعركة أخرى من ناحية ثانية؟.

الواقع أن قرار النظام السوري التخلي عن أسلحته الكيماوية لا يمكن فصله عن قرار المرشد الإيراني علي خامنئي تزكية انتخاب السياسي المعتدل حسن روحاني رئيساً للجمهورية في بلاده، ولا بعد هذا الانتخاب دعم مواقفه لجهة الانفتاح على الغرب والمنطقة، بما في ذلك أساساً ما يتعلق بالملف النووي الإيراني الذي أدى إلى عزل إيران ومحاصرتها وفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها على مدى الفترة الماضية.

وهو، بهذا المعنى، يشير إلى أمر من اثنين: إما أن هذا التحالف، الذي طالما وصف نفسه بأنه رأس حربة (بالتعاون مع روسيا والصين ودول البريكس) لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب على أنقاض نظام القطب الواحد، فضلاً عن نظام إقليمي جديد في منطقة الشرق الأوسط، قد اكتشف عجزه على الجبهتين معاً فقرر التراجع مكتفياً ببقاء الأنظمة والتشكيلات التي يتألف منها، أو أقله بحفظ ماء الوجه تغطية للعجز، أو أنه عاد مجدداً إلى تكتيكه الــقديم الـقائم على التقية والمناورة انتظاراً لمرحلة أخـرى يستعيد فيها سيرته الأولى.

وأياً تكن الحال، فلا حاجة للقول إن رياحاً مختلفة بدأت تهب على المنطقة في الوقت الراهن، وأن زمناً قد يطول أو يقصر قبل أن تنجلي غيومها وتعرف شعوب المنطقة ودولها إلى أين تتجه في خلال المقبل من الأيام.

لكن، وعلى رغم ذلك، لا بد من ملاحظة عدد من المفارقات على الشكل الآتي:

أولاً، إقامة «سلام عملي» مع إسرائيل (العدو التاريخي للتحالف، وفق خطابه السابق) إن على مستوى النظام في دمشق الذي تخلى عن سلاح التوازن الاستراتيجي معها، أو على مستوى النظام في طهران الذي بادر رئيسه حسن روحاني إلى تهنئة يهود العالم في عيدهم الأخير، كما قال وزير خارجيته محمد جواد ظريف أنه لا يجوز إنكار المحرقة ضد اليهود في ألمانيا، أو على مستوى «التزام المبادئ الدولية» و«التسامح مع شعوب العالم كلها» كما قال روحاني في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويتناقض ذلك جذرياً مع مواقف التحالف التي كانت تبدأ وتنتهي طيلة الفترة السابقة، تارة عند مقولة «إزالة إسرائيل من الوجود» بلسان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، وأخرى عند نبوءة «قرب اقتلاع هذه الشوكة» بلسان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، فضلاً عن إحياء «يوم القدس» سنوياً منذ عهد آية الله الخميني واعتبار التحالف وسلاحه واقتصاده مجرد تحضير لـ «المعركة الكبرى» ضد إسرائيل والصهيونية العالمية.

ثانياً، اعتماد الحوار بدلاً من الحرب الشاملة مع الولايات المتحدة، رمز ما يسمى «الاستكبار العالمي» في خطاب التحالف الدائم، إن في ما يتعلق بالملف النووي الايراني الذي «لا نريده عسكرياً، لأنه يتناقض مع تعاليمنا الدينية» كما قال خامنئي أخيراً، أو في ما يتصل بالعلاقات مع السعودية ودول الخليج العربية التي «نعتبرها شقيقة وصديقة» كما قال روحاني من ناحيته، أو حتى في ما يتعلق بالموقف من بشار الأسد عندما أكد هذا الأخير أن بلاده ستؤيد أي رئيس ينتخبه الشعب السوري بعد التوصل إلى حل للأزمة الحالية في سورية.

وكل ذلك يختلف جذرياً كذلك مع ما كانت تقوله إيران وتفعله على امتداد الأعوام الـ35 السابقة، وإلا فما هي الأسباب التي أدت إلى عزلها وفرض عقوبات دولية ضدها على خلفية ملفها النووي... وتلك التي أدت إلى «حرب باردة» بينها وبين دول الخليج والدول العربية الأخرى على خلفية تدخلاتها المذهبية والسياسية والأمنية في شؤونها... وأخيراً هذا الموقف الذي تتخذه مــن الــثورة ضد حلــيفها نظام بشار الأسد وإعلانها أن ســورية ليست سوى واحدة من المحافظات الإيرانية التي يجب على الدولة أن تدافع عنها بكل ما تملكه من وسائل؟.

ثالثاً، بدء سياسة إيرانية مختلفة بدورها تقوم على الانفتاح السياسي والاقتصادي والمالي في الداخل أملاً في حل مشكلات إيران على هذه الصعد، وكذلك الانفتاح على الخارج تدعيماً وإنجاحاً لهذه السياسة.

وكان لافتاً في هذا المجال إفراج روحاني عن عدد من الناشطين السياسيين الذين كانوا معتقلين منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009، ومد يده إلى الولايات المتحدة والغرب لمعالجة قضية العقوبات المفروضة على بلاده وإنهاء حظر تصدير نفطها إلى الخارج (انخفض إنتاجها اليومي من 2,4 مليون طن سابقاً إلى مليون طن فقط الآن)، وتكرار دعواته منذ انتخابه قبل شهرين إلى «التعاون الاقتصادي» مع دول العالم ودول المنطقة بشكل خاص من أجل خير إيران وخير هذه الدول.

فأين «تحالف المقاومة والممانعة» ضد إسرائيل والصهيونية العالمية من ذلك كله؟، وأين هو من «الاستكبار العالمي» ممثلاً بـ «الشيطان الأكبر» الأميركي، كما ممن دأب على وصفهم بعملاء هذا العدو وذلك الشيطان من العرب؟، بل أين «حقوق» الشعب الفلسطيني التي قسمت الأرض والشعب إلى كانتونين وشعبين بدعوى العمل من أجلها، تماماً كما حصل ولا يزال في السودان والعراق وإلى حد كبير في لبنان؟.

أم أن ما يحدث في حقيقته هو «التقية» إياها، بهدف الإبقاء على التحالف والأنظمة والتشكيلات الملحقة بها هنا وهناك، بانتظار مرحلة أخرى يعود فيها كل شيء إلى سابق عهده؟

المصدر: 
الحياة