يأس الضفة

بقلم: 

هل انتهى هدوء الضفة الغربية المستمر منذ أعوام؟ سؤال يتبادر إلى الأذهان مع تصدر عمليتي قتل جنديين إسرائيليين الأسبوع الماضي للأخبار الآتية من الضفة. حادثتان قد تبدوان معزولتين، إلا أنهما تخفيان خلفهما يأساً يعيشه أبناء هذه الأراضي المحتلة، وخصوصاً أن إجراءات السلطة الفلسطينية وسياساتها، لم تجلب لهؤلاء ما كانوا يتمنونه. 

"يا نبض الضفة لا تهدأ أعلنها ثورة"، هذه الأنشودة كانت بمثابة تعريف لوضع الضفة، ولا سيما خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، حين كنت اراضيها عمليات نوعية مثّلت رافعة للعمل العسكري المقاوم في وجه الاحتلال الإسرائيلي في تلك الفترة. لكن الأمور بعد ذلك تغيرت. 

النبض هدأ، واقترب من التوقف، وتحديداً بعد اغتيال الزعيم الراحل، ياسر عرفات، وتولي محمود عباس سدة الرئاسة في زمن الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة. المقاومة وفصائلها المتنوعة انكفأت على نفسها، وخصوصاً مع قيام أبو مازن بعملية نزع أسلحة الفصائل تحت مسمّى "ضبط فلتان السلاح". 

عنوان حينها كان قادراً على نيل إجماع الفلسطينيين في الضفة، وخصوصاً أن الشكوى من فوضى السلاح كانت كبيرة.

لكن تحت هذا العنوان، الذي سار جنباً إلى جنب مع عمليات التنسيق الأمني مع سلطت الاحتلال، تم تفكيك غالبية الخلايا المقاومة المسلحة في الضفة، ليحل مكانها ابتكار"المقاومة الشعبية". 

ابتكار عبارة عن تظاهرات موسمية عند جدار الفصل العنصري أو الحواجز الإسرائيلية، لتنفض بعد ذلك وتعود الحياة إلى سابق عهدها. السلطة نجحت في فرض مثل هذا الإيقاع على حياة أهل الضفة. حتى في ذروة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، لم تخرج حملة التضامن في الضفة عن هذا الإطار. 

لم تُسجل أي عملية أمنية كبرى كان من شأنها تخفيف الضغط على القطاع. حتى الهبات الشعبية التي كانت تشهدها الضفة الغربية بين حين وآخر، لم تكن قادرة على التوسع.نبض الضفة بات هادئاً ولم يعد قادراً على تنسيق مقومات الغضب، وخصوصاً في ظل غياب أي قرار سياسي بذلك.

القرار السياسي، ولا سيما ذلك الذي يخص السلطة الفلسطينية، أسر سكان الضفة في مسار حدده أبو مازن، وهو المسار الدبلوماسي، باعتبار أن هذا الخيار هو الوحيد القادر على تحسين ظروف الحياة، وإنهاء الاحتلال وتفكيك المستوطنات، وإطلاق الأسرى. خلال السنوات الأربع الماضية، انتظر الفلسطينيون ثمار "جهود عباس".

لكن أي ثمرة لم تسقط على رؤوس أهل الضفة الغربية. حتى الوضع الاقتصادي، الذي كان من الممكن أن يكون خشبة خلاص خيارات عباس، بات ينحدر من سيء إلى أسوأ.

الفرصة الأخيرة لمسار عباس قد تكون في العملية التفاوضية القائمة حالياً بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية برعاية أميركية، وما يرافقها من حديث عن برنامج اقتصادي لتأهيل الأراضي الفلسطينية. 

حديث لا يزال على ورق، لكن أي خطوة فعلية لم تظهر على أرض الواقع. قرأ الفلسطينيون كثيراً عن مبادرة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وعن التسهيلات المقترحة. لكن الأمر لم يخرج بعد عن مجرد القراءة. قد يكون التطبيق مرتبطاً بالتقدم الذي يمكن إحرازه على صعيد المفاوضات السلمية، على غرار عملية إطلاق الأسرى التي لم تنفذ إلا مرحلتها الأولى، بانتظار تبيان "التقدم التفاوضي". لكن الأنباء المتداولة عن المسار التفاوضي، لا توحي بأي تقدم قريب، وبالتالي فإن انهيار العملية برمتها، ومعها الشق الاقتصادي، ممكن في أي لحظة. 

قد تكون عمليتا الضفة الأخيرتان رسالتي يأس في ظل هذه الأنباء. ففي الأولى انتظر نضال، ابن قلقيلية، شقيقه ليخرج من الأسر في إطار "حسن النوايا" لكن الامر لم يحدث، فاختار الحل الفردي والتبادل الشخصي، وخصوصاً أن المرحلة الثانية لا أثر لها. 

وفي الخليل، كانت مشاهد المستوطنين مستفزة، وتختصر حال اهل الضفة عامة مع الاستيطان، والذي لا بارقة أمل قريبة للخلاص منه. فكانت رصاص القناص حلاً فردياً لطريقة هذا الخلاص. 

بين قلقيلية والخليل مسافة يأس متراكم على مدى سنوات. قد لا يكون انفجاره قريباً، لكن تسرب تداعياته واحدة تلو الأخرى قد تزداد مع كل مؤشر لإخفاق "حلول عباس".

 
المصدر: 
المدن