غزة و"المنقذ"

بقلم: 

 

لم ينعم قطاع غزة، منذ تولي حركة "حماس" حكمه، بفترة هدوء تسير فيها الحياة بسلاسة. مراحل عديدة مرّت بها الأوضاع الحياتية في القطاع، من الاقتتال الأهلي في 2007 إلى عملية الانفصال التام عن سلطة رام الله، والاعتداءات الإسرائيلية المتنوعة والحصار الخانق المفروض الذي طال الأمور الأساسية في الحياة، وحرية انتقال الأفراد. 
 

في عهد الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، كان خنق القطاع مصرياً يمر بمراحل شد وجذب، على حسب هوى التنسيق القائم بين حركة "حماس" والمخابرات المصرية، ومدى رضى هذه المخابرات عن عمليات التهريب، أو مسار تفاعل "حماس" مع جهود المصالحة، التي دائماً ما كانت تدور في حلقة مفرغة. 
 

مع سقوط مبارك، وتولي "الإخوان المسلمين" الحكم، تنفست "حماس" الصعداء، وبدأت تعد العدة لانفتاح متعدد الآفاق، يوصلها ربما إلى القبول الدولي. لكن الأمور لم تسر وفق رغبات "حماس" وحكومتها، بعدما اضطر "إخوان مصر" إلى مجاراة معايير "الأمن القومي المصري"، وانضموا إلى ركب محاصري القطاع، لكنهم أبقوا على فتحة سياسية في العلاقة مع "حماس"، كانت تسمح بين حين وآخر بتشديد القبضة. 
 

"حماس"، ومعها أهالي القطاع، رأوا في النظام "الإخواني"، المنقذ، لكن وفق اعتبارات خاصة بكل منهما. "حماس" رأت فيه امتداداً لحكمها، على اعتبار أنها تنظر لنفسها بأنها السبّاقة في حركات "الإخوان المسلمين" في الوصول إلى الحكم، وهي فتحت هذا الباب، والآخرون التحقوا. وبغض النظر عن هذه الرؤية، فإن "حماس" نظرت إلى حكم "الإخوان" في مصر باعتبارها خلاصاً من الحصار السياسي التي تعانيه، وباباً للانطلاق إلى المشروعية العربية والدولية. 
 

اما الغزيون فكانت لهم رؤية أخرى لـ "الإنقاذ" الذي كان يمثله حكم "الإخوان". رؤية منطلقة من اعتبار "حماس" امتداداً لهذا الحكم، وبالتالي فالعلاقة الخاصة ستنسحب انفتاحاً في القطاع ورفعاً، ولو جزئياً للحصار، وتأمين بعض الحرية لحركة الأفراد والجماعات والبضائع، وما إلى ذلك من أمور تجعل من الحياة في غزة شبه طبيعية. 
 

لكن الرهانين سقطا لاحقاً في الثالث من تموز/ يوليو، يوم قرر الجيش تنفيذ انقلابه العسكري بغطاء شعبي. انقلاب يمكن القول إن غزة هي أكثر المتضررين منه، ولا سيما أنها مجدداً ستدفع ثمن التأييد المطلق من حركة "حماس" لحكم الاخوان. 
 

ثمن متعدد الأوجه، وصل إلى مشارف التدخل العسكري المصري المباشر، بعد قطع الدبابات المصرية الخط الأول لحدود غزة. لكن قبل التهديد العسكري، كان هناك تفاقم التهديد المعيشي، بعد الحملة الشعواء على الأنفاق بتمويل وإشراف أميركي مباشر. أنفاق هي بمثابة الرئة الإضافية لغزة لتتنفس هواء الحياة، وخصوصاً مع الإغلاق المتكرر للرئة الأساسية المتمثلة في معبر رفح. 
 

وفق هذا السيناريو، عاد الاختناق ليحاصر قطاع غزة. البحث يتجدد عن "منقذ" يعيد الأمور إلى نصابها. "المنقذ" يطل عبر خبر تداولته وسائلة الإعلام الفلسطينية. "إعادة فتح معبر رفح يومي الخميس والجمعة تلبية لطلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس". الان أبو مازن هو القادر على تخفيف المعاناة التي سببتها "حماس". هكذا تريد السلطة في رام الله من الغزيين أن يفهموا. وحملة "تمرد غزة"، التي لم تلق الكثير من القبول في القطاع، لا بد أن تأخذ منحى آخر الان، لتحاكي "الخيار المصري"، الذي يصب حالياً في مصلحة أبو مازن وتحالفاته. 
 

رغبات أبو مازن لن تكون سهلة التحقيق، كما أن آمال "حماس" بعودة الأمور المصرية إلى عهدها "الإخواني" باتت شبه مستحيلة. وما بين عباس و"حماس"، تمضي غزة على هامش الحياة، بانتظار "إنقاذ" فعلي.

المصدر: 
المدن