ديناميكية الدبلوماسية الروسية تمد خشبة الإنقاذ لسوريه

بقلم: 

 

ظن بعض المحللين السياسيين العرب، أن روسيا سوف تتخلى تدريجياً عن سوريه، اذا ما طالت أزمتها دون حسم، ففاجأهم تكرار الفيتو الروسي بالتعاون والتنسيق التامين مع الصين، لتؤكد روسيا للغرب أنها لا "تمزح" هذه المرة، وان علاقاتها التاريخية بهذا البلد العربي، لا يمكن اهدارها على طاولة المساومات والمقايضات. واستمر الدعم الروسي لسوريه ابتداءً من الرئيس بوتين ومروراً بالخارجية وصولاً الى كل مفاصل الدولة الروسية ومكوناتها بخاصة الإعلام الذي جنّد طاقاته وامكاناته دفاعاً عن سوريه الدولة، بالاستناد الى خبرات طويلة وهيبة دولية استردتها القيادة الروسية، بعد أن ضاعت وتشتت أثر تفكيك الاتحاد السوفييتي، الذي ظل أكثر من ثمانية عقود من القرن الماضي نداً قوياً للغرب فارضاً ثنائية قطبية أحدثت توازناً، ومنعت الهيمنة الأحادية على العالم.

وتوّجت روسيا موقفها إزاء ما يجري في سوريه خلال الأسابيع القليلة الماضية وتحديداً أمام ذريعة الكيماي التي حاولت بعض الدول الغربية استعمالها من أجل تدمير القدرات العسكرية السوريه، دون الأخذ بعين الإعتبار أن غياب الدولة السوريه، يعني سيادة جماعات متطرفة، سيمتد خطرها أبعد من الحدود السوريه ليجتاح بقية الدول العربية.

لقد أخذت الدبلوماسية الروسية على عاتقها انقاذ سوريا من ضربة عسكرية محدودة في الظاهر، لكنها تدميرية وشاملة في حقيقة الأمر، نظراً لحجم التحضيرات والحشد العسكري والتعبئة والتحريض والتشهير الذي وظف للتهيئة لها، بصرف النظر عن صحة أو عدم صحة المعطيات التي ساقتها الدول المتحمسة للضربة، لأنها اعتمدت على تقارير إعلامية بمعزل عن تحقيق دقيق وموضوعي بشأن المسؤول عن استخدام الكيماوي، بخاصة وأن انظام السوري ليس اللاعب الوحيد على الأرض.

والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي الدوافع والمقومات التي استند اليها الموقف الروسي منذ بداية الأزمة السوريه وحتى الآن، وهل الموقف الروسي عابراً أم أنه موقف أصيل سيؤسس لتهج جديد قوي على حلبة السياسة الدولية؟

والإجابة عن السؤال المطروح لها مركبات وتمفصلات كثيرة، لكن نسوق في عجالة أهمها:

أولا: اذا بدأنا من المصالح الروسية، نقول قاعدة طرطوس وسوق الأسلحة الروسية وساحة التواجد الروسية الوحيدة عسكريا خارج حدود روسيا.

ثانيا: وبالتوقف عند هيبة روسيا الدولية التي استبيحت خلال ضرب العراق وليبيا وقبل ذلك يوغسلافيا، حيث وجدت القيادة الروسية الآن فرصتها لاستعادة هذه الهيبة، بعد ان استكملت بناء اقتصادها وأعادت هيكلة وتحديث قدراتها وصناعاتها وامكاناتها العسكرية.

فما كان مفروضاً على روسيا قبل عشر سنوات، ليس مقبولاً الآن، فروسيا نهضت من جديد، وعادت بقوة الى الساحة الدولية، بعد ان ضاقت ذرعاً بالتفرد والهيمنة الأحادية.

ثالثا: لروسيا مصالح اقتصادية هائلة في ايران حليف سوريه، وهذه المصالح ليست محصورة في الجانب العسكري بل وفي مجالات مدنية وتقنية متنوعة.

رابعا: تدرك روسيا أنها والصين وبعض الدول الصديقة الأخرى لها باتت تشكل ثقلاً اقتصادياً هائلاً مقارنة مع الأزمات الاقتصادية التي تطحن عدداً من الدول الغربية.

خامساً: ان لروسيا خبرات واسعة ومعلومات تفصيلية عما يجري في سوريه، وهي تعي حجم الجماعات المتطرفة التي اجتاحت البلاد، وان الديمقراطية وحقوق الانسان التي يتحدث عنها الغرب هي محقة، لكنها تصبح ثانوية عندما يلوح في الأفق البديل، وهو بديل دموي تكفيري اقصائي ليس له علاقة لا بالديمقراطية ولا بحقوق الانسان ولا بالدولة المدنية، وإنما بفرض أجندات عصبوية تقتيلية.

سادسا: لو ضربت سوريه على مرأى من روسيا وعلى مرأى من بوارجها وغواصاتها في البحر الأبيض المتوسط، فإن ذلك سيمس بالمكانة الروسية الناهضة ويعيد الأمور الى نقطة البداية، والقيادة الروسية تريد أن تبني ما حققته لا أن تتقهقر الى الخلف.

وفي هذا الاطار علينا أن نفهم كيف أن الدبلوماسية الروسية نشطت في وضع السلم لإنزال من يقرعون طبول الحرب عن الشجرة، بإقتراح وضع الكيماوي السوري تحت الرقابة الدولية، مستفيدة من أن الغرب غير موحد هذه المرة خلف هدف واحد، وأن هناك من ينظر بريبة الى تدمير سوريه لأن السحر سينقلب على الساحر تطرفاً وجماعات متعصبة وفوضى من شأنها أن تجتاح الشرق الأوسط برمته. 

المصدر: 
صحيفة القدس