القضية الفلسطينية تواجه خطر التصفية

بقلم: 

طغت التطورات المتسارعة في المنطقة على موضوع المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية، بحيث لم يعرف بعد ما الذي حققته حتى الآن، خصوصاً ان وسائل الاعلام حولت اهتمامها نحو ما يجري في سوريا والمنطقة ولم تلاحق سير هذه المفاوضات وتخرق سريتها.

والسؤال الذي لا جواب عنه حتى الآن هو: لماذا استؤنفت المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية في هذا الوقت بالذات والفلسطينيون على خلاف في ما بينهم والعرب يتقاتلون؟ فأي نتيجة يمكن أن تسفر عنها المفاوضات في مثل هذا الوضع إلاّ إذا كانت تجرى لمجرد تقطيع الوقت توصلاً الى فرض تسوية للقضية الفلسطينية أو تصفية لها. إذا لم يتفق العرب والفلسطينيون على اتخاذ قرار حاسم لاستعادة حقوقهم المشروعة وذلك إما بمفاوضات لها نهاية أو باستخدام القوة القادرة وليست العاجزة التي تزيد الخراب والدمار من دون طائل.
ولكن كيف للفلسطينيين أن يتوصلوا الى اتفاق مع الاسرائيليين وهم منقسمون ومختلفون على أمور كثيرة، مثل حدود دولة اسرائيل، والمستوطنات، والقدس، والمياه، وحدود الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين الى ديارهم؟ لقد ظل الفلسطينيون وهم في مفاوضات مع الاسرائيليين يراهنون في التوصل الى اتفاق تارة على حزب العمل إذا فاز في الانتخابات وكان له الحكم، وطوراً على حزب "الليكود"، حتى انه كلما استؤنفت المفاوضات ظلت تدور في حلقات مفرغة والوقت يمر فيما اسرائيل تواصل بناء المستوطنات على اراضي الفلسطينيين لتقضي على حلم قيام دولة لهم، ولا يردون على مواصلة هذا البناء إلا بالاحتجاج حيناً وبالاشتباكات المحدودة حيناً آخر والتي لا تلبث إلا أن تتوقف من دون أن يتوقف بناء المستوطنات على رغم التهديد الدولي بعدم الاعتراف بشرعيتها، فتصبح عودة اللاجئين الى ديارهم من المستحيلات بعد أن تكون اسرائيل قد ملأت أرضهم بالمستوطنات وهدمت منازلهم، وفرضت الامر الواقع، حتى اذا ما تقرر اقامة دولة فلسطينية فإنها تكون دولة غير قابلة للحياة الا تحت سلطة دولة اسرائيل، بحيث لا تعدو هذه الدولة الا ان تكون اشبه بالحكم الذاتي فقط، والمستوطنات بديلاً من الوطن...
لقد أكد شمعون بيريس عام 1981 لمسؤولين اوروبيين وقف بناء المستوطنات لأن سياسة حزبه المعلنة تستبعد المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة والمكتظة بالفلسطينيين ولا تنطبق الا على المستوطنات التي ستقام بأعداد محدودة، لكنه شدد على استمرار الوجود الاسرائيلي في مرتفعات الجولان وعلى استمرار السيادة الاسرائيلية على القدس وعلى رفض التفاوض على الاراضي العربية المحتلة التي تقع في المنطقة الاستراتيجية لوادي الأردن. وقبل بيريس آنذاك لتحقيق السلام في المنطقة تنازل اسرائيل عن قسم كبير من الضفة الغربية أي عن ثلثي مساحتها ومباشرة تنفيذ الحكم الذاتي في الضفة، واعداً بأنه لن ينشئ مستعمرات جديدة فيها، وان هذا هو أقصى ما يمكن أن تقدمه اسرائيل من تنازلات، فإما أن يقبل بها الفلسطينيون والعرب، وإما لا يكون حل ولا سلام... وقد تبين أنه كلما مرّ الوقت خسر الفلسطينيون ما كانوا يملكون وربح الاسرائيليون ما لا يملكون وها هم يواصلون بناء المستوطنات في ظل معاودة المفاوضات بدون شروط مسبقة وذلك اعتماداً من الفلسطينيين على وعود أميركية وعلى تطمينات بلا ضمانات.
وفي معلومات لمصادر ديبلوماسية أن أقصى ما تحاول الإدارة الاميركية من خلال المفاوضات التي سعت جادة الى استئنافها بين الاسرائيليين والفلسطينيين هو العودة الى حل الدولتين، حتى إذا ما تم التوصل إلى الاعتراف المتبادل بهما كان على كل من الدولتين التفاوض على الأمور المتخلف عليها مثل ترسيم الحدود النهائية لكل دولة، ووضع القدس الشرقية، ومصير اللاجئين. لكن من الآن إلى أن يتم الاتفاق على كل ذلك تكون اسرائيل قد قضمت مزيداً من الاراضي الفلسطينية وأقامت عليها مستوطنات غير آبهة بالاعترافات الفلسطينية، ولا بعدم اعتراف أميركي وأوروبي بشرعيتها.
لذلك يمكن القول أن اسرائيل بالاتفاق مع الولايات المتحدة الاميركية قد تكون اختارت هذا الوقت بالذات لاستئناف المفاوضات من دون شروط كي تواصل بناء المستوطنات التي كانت سبباً لوقفها مدة طويلة لأن الفلسطينيين اشترطوا وقفها للعودة الى طاولة المفاوضات. وها ان الفلسطينيين يعودون اليها بدون هذا الشرط فيما اسرائيل تواصل بناء المستوطنات لتضع العرب والفلسطينيين ودول العالم أمام الواقع على الارض الذي يرسم حدود دولة اسرائيل النهائية وما تبقى من الاراضي تكون حدود الدولة الفلسطينية غير القابلة للحياة والتي تتحول في الواقع إلى حكم ذاتي فقط.

المصدر: 
النهار