مصر وغزّة في اليوم التالي

بقلم: 
نتظر خلال الأيام القادمة إعلانا صريحاً يصدر في القاهرة بعد الانقلاب، يفضي الى تحويل غزة أمام الرأي العام بأنها المصدر الأكثر خطراً على مصر. وإن كان قد قيل هذا عبر وسائل اعلام مصرية بطرق مختلفة، غير أن الآتي سيكون مختلفاً، لأن غزة اليوم وحصارها أو استهدافها، هو الفصل الأبرز للانقلابين، الذين سيستمدون شرعيتهم من هذه المسألة، فالفارق كبير، بين من يستمد شرعيته من شعبه، وبين من يريد هذه الشرعية من غيره، فهي معادلة تغيير الارقام والحسابات والمنطق ايضا.
خلال العقود الماضية وقبل أن يفضح الربيع العربي كذب كثيرين من الزعماء العرب، كانت القضية الفلسطينية هي العنوان الأبرز الذي يحتمي وراءه الحكام المستبدون، الذين لا تكلفهم المسألة غير التهويل بضرب العدو والمناداة بتحرير كامل الوطن، وتحت هذا الشعار يتم التخلص من كامل أعداء الامة والخونة الذين يتعاملون مع الخارج ويأتون بالاستعمار الى بلادهم. ومع الربيع العربي القاسي في مختلف مناطقه، يصبح الاستعمار أكثر رحمة من تاريخ العسكر الطويل، الذين وضعوا الوطن وحكايته نجوما على اكتافهم وداسوا شعوبهم بالأحذية، وظلوا ينشدون لجيوشهم الوطنية جل الأغاني وينفقون عليها ما استطاعوا من قوت الناس، الذين كان فقر اغلبهم لأن جيش الوطن يحتاج لقمة عيشهم لكي ينتصر على العدو الخارجي، ومنحوه ذلك وصبروا وانتظروا ليكتشفوا بعد ربيع العرب أن الجيوش الوطنية تستطيع الانتصار على الوطن وتستطيع هزيمة الوطن وليس غير الوطن بتاتاً.
بعد الربيع العربي وانكشاف الاوراق لا يحتاج كثير من القادة الاعلان عن نصرتهم لشعب فلسطين، بل العكس تماماً فالمطلوب هو الحصول على الشرعية من اسرائيل، وهذا سهل وبمجرد تحويل الفلسطينيين الى شيطان أكبر يحدث ذلك، وسبق ولا يزال استخدام اسم الفلسطينيين عنواناً بارزاً في أزمات بعض بلاد العرب اوطاني. كان ذلك مرات عديدة بفعل الفلسطينيين أنفسهم، وتوريطهم المباشر، من خلال بعض الفصائل التي أنشأتها بعض الدول العربية لخدمة أهدافها وليس فلسطين، وتتبنى هذه الفصائل وجهات نظر عربية فتعمل على تحميل الفلسطينيين ما لا يطيقون، لينتهي الفلسطيني بأنه مشكلة الاستقرار العربي، وليست اسرائيل صانعة الازمات للامة.
نحن نفهم أن اليوم التالي في غزة يسير باتجاه حصارها، والمسألة سهلة، فالتكامل بين الاعلام الكاذب والأجهزة الامنية العربية أصبح حياة يومية، فأجهزة المخابرات تجاوزت الاعمال السرية والمنطق القذر في سياساتها، وكل ما عليها ارتكاب الجريمة ثم احضار الكاميرا، وتقديم اعترافات وهمية لإدانة جهة بعينها.
كل شيء ممكن في عالم المخابرات العربية، لكن في أفضل أحوال هذه الاجهزة هي أنها جاهلة في استخدام الاعلام، وفي أفضل أحوالها تعيد ادانة نفسها وتورطها، لأن الاعلام بطبعه فاضح لا يستر شيئا، وهو قادر على فضح الجميع وتقديمهم أمام الملأ كما هم.
غزة تنتظر اليوم التالي الذي تصبح فيه في مواجهة مع الجيش المصري، كما يخطط لذلك الانقلابيون، وهو يوم بلا شك يبدو مريراً وصعباً على الفلسطينيين، كما أن تنتظر غزة أن تكون مخبأ القاعدة أو مقر إدارتها للعمليات في سيناء، وقد تستضيف غداً أمير القاعدة الذي سيفر اليها من سيناء، وكل ذلك طبعاً ممكن، خصوصا أن غزة هي مصدر الأسلحة التي وصلت ساحة رابعة العدوية، بعد أن نجح الفلسطينيون في حفر نفق يربط ساحة رابعة العدوية بقطاع غزة، وهي أيضا مستودع سلاح الشرق الاوسط، بما في ذلك غاز السارين أيضا.
صحيح أن المخابرات العربية كانت تنجح في التضليل، ولكن ذلك في زمن إعلام الجنرالات فقط.
المصدر: 
القدس العربي