اسرائيل: ماذا بعد الضربة؟

بقلم: 

في الوقت الذي أمر فيه رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وزراء حكومته بأن يمتنعوا عن الإدلاء بتصريحات حول الأزمة السورية أو توجيه الانتقادات للرئيس الأميركي، باراك أوباما، نتيجة "التلكؤ" في توجيه الضربة للنظام السوري، خرق وزيران هذه التعليمات.

الأول وزير الاسكان، أوري أرئيل، المنتمي إلى اليمين المتطرف وأحد ممثلي حزب المستوطنين المعروف باسم "البيت اليهودي". أما الوزير الثاني فليس سوى وزير العلوم، يعقوب بيري، ممثل حزب "يوجد مستقبل"، المحسوب على الجناح اليساري في الحكومة وعضو المجلس الوزاري الأمني المصغر. الوزيران انتقدا أوباما. أرئيل طالب بالإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، فيما بيري باح ب"إن بقاء الأسد هو في مصلحة اسرائيل".

لأرئيل حساب طويل وقديم مع أوباما، وذلك لأسباب بعيدة عن الملف السوري، تتمثل في ضغوط الرئيس الأميركي على نتنياهو لاستئناف مفاوضات السلام. يعتقد وزير الاسكان بأن الظروف التي تعيشها الدول العربية في السنوات الثلاث الأخيرة، هي وضع مثالي لطمس القضية الفلسطينية وإطلاق أضخم عملية استيطان في المناطق الفلسطينية. وهو يؤمن بأن الدولة الفلسطينية قائمة في الأردن، ولا حاجة لإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع. ويرى أن التسوية يجب أن تبنى على أساس تشجيع الفلسطينيين للانتقال للسكن في الأردن.

لكن هذا لم يمنعه من التباكي على مصير الشعب السوري. فاعتبر الأسد "سفاحاً متوحشاً". ودعا إلى الاطاحة به. وقال، في بيان رسمي، "في البيت الأبيض يوجد رئيس يبث رسالة ضعف وعجز إلى أعداء الديموقراطية وأنصار الارهاب وإبادة الشعوب في العالم". وأضاف: "إن الموقف الأميركي الضعيف من الموضوع السوري يعلم اسرائيل درساً لا ينسى، بأن لا تبني مصالحها ومواقفها على الدعم الأميركي في معركتها لمنع ايران من التسلح النووي". وتابع: "علينا أن ندرك أننا سنكون لوحدنا في مواجهة النظام الايراني. وهذا يتطلب منا أن نستعد من الآن لهذه المعركة".

أما بيري فقال، خلال حديث له مع مجموعة أصدقاء من الجنرالات السابقين اجتمعوا للاحتفال برأس السنة العبرية، إنه "في الحسابات النهائية يجب الاعتراف بأن بقاء الأسد في الحكم هو في مصلحة اسرائيل. لأن اختفاءه سيأتي بقوى أسوأ منه، ليس فقط لسوريا بل لاسرائيل أيضاً. فنحن بحاجة إلى جيران يعيشون في استقرار. ووجود نظام بقيادة القاعدة والجهاد الاسلامي، سيواجه بمقاومة سورية. ووجود قيادة أخرى من المعارضة المؤيدة للغرب سيواجه بمقاومة من القاعدة والجهاد. وفي الحالتين سيسود عدم الاستقرار".

ورفض بيري الموقف الذي يتفوه به الكثير من القادة الاسرائيليين الذين يقولون إن سقوط الأسد سيشكل "ضربة لما يعرف بالمحور الايراني في المنطقة سيحتاج إلى سنوات حتى يعود للنهوض من بعدها، وأن هذا يخدم اسرائيل". ويرى بيري أن سقوط النظام السوري "نعم سيشكل ضربة لهذا المحور. ولكن الثمن سيكون باهظاً لنا من الناحية الاستراتيجية". واعتبر أن غياب الأسد "سيحدث فوضى حكم في سوريا، وهذا يلحق ضرراً كبيراً لنا. فالهدوء الذي عرفناه أربعين سنة على حدودنا، لن يستمر في هذه الحالة".

وعقب بيري على التوجه الأمريكي نحو سوريا والتهديد بضربها، فقال: "أنا لا أريد أن أوجه انتقاداً للسياسة الأميركية، ولكنني سأصور لكم الوضع كما أراه. لدينا اليوم ظاهرة لم نعتد عليها من قبل. للوهلة الأولى يبدو تصرف الولايات المتحدة وكأنه يستند إلى المنطق. تعلن لمن تنوي ضربه أنها ستضربه وأن عليه أن يستعد ويتخذ كل الاجراءات اللازمة لذلك. تقول له: سوف أضرب لك رموز حكمك وسلطانك في الوقت الذي أراه مناسباً. سوف أدمر لك مخازن السلاح الكيماوي. سأمس بهيبتك. وقد نشأ وضع، عملياً، بات فيه الأسد يعرف كل شيء ما عدا توقيت الضربة". وأضاف "منحوه وقتاً ثميناً ليستعد أتم الاستعداد لمواجهة الضربة. سوف ينقل الأسلحة الكيماوية ويوزعها على عدة مواقع. وسوف يحمي قصوره ومؤسساته ويفرغها من الناس. وعملياً سيفرغ ذلك أي ضربة من مضمونها".

وأكد بيري أنه يستبعد توسيع حلقة الحرب لتشمل اسرائيل، مشيراً إلى أن "نتنياهو، ووزير دفاعه، موشيه يعلون، يتصرفان ببرود أعصاب وانضباط رائعين، يذكر بتصرفات، رئيس الحكومة الاسرائيلية في فترة حرب الخليج الأولى اسحق شامير". وأضاف "في حينه أطلق صدام حسين نحو 30 صاروخاً من طراز "سكاد" بعيد المدى ودمر ربع مدينة رمات غان (محاذية لتل أبيب)، لكن شامير قبل طلب الأميركيين ولم يرد". وتابع "أنا كنت في حينه رئيس جهاز الاستخبارات العامة وايهود باراك كان رئيس أركان الجيش. وكانت لديه خطة لإنزال قوة كوماندوس في بغداد لتصفية صدام حسين. ولكن شامير رفض بشدة. فعرض عليه باراك أن يرد بقصف قصر الرئاسة في بغداد، فرفض شامير هذا الاقتراح أيضاً. وثبت في ما بعد أن هذا الموقف هو السليم. وأنا أتوقع من نتنياهو أن يتصرف بالطريقة نفسها".

وخلص إلى أن "نتنياهو سيمتنع عن الرد إذا ما قصفت سوريا اسرائيل أو أنه قد يرد بشكل محدود، بمقدار الضربة نفسها". وأَضاف "إذا ضرب الأسد صاروخاً في منطقة مفتوحة قد نرد بالطريقة نفسها أو لا نرد. ولكن، إذا ضرب حيفا، فإننا سنرد بقوة شديدة ومحسوبة، من دون تصعيد يقود إلى حرب موسعة".

تجدر الاشارة في هذا السياق إلى أن نتنياهو نفسه كان قد أكد أن اسرائيل جاهزة بكل قوة لمواجهة خطر أن يرد الأسد على الضربة الأميركية بقصف اسرائيل، ولكنه أكد في الوقت ذاته بأن احتمال توجيه ضربة سورية لاسرائيل يقترب من الصفر. وهو ما دفعه لدعوة الاسرائيليين إلى الانطلاق للاحتفال برأس السنة العبرية والاستجمام في كل مكان في اسرائيل. بيد أن الجمهور الاسرائيلي ظل قلقاً. وحسب أحدث الاستطلاعات، فإن 69 في المئة من الاسرائيليين يخشون أن تتورط اسرائيل في هذه الحرب بين سوريا وبين بعض الدول الغربية

المصدر: 
المدن