ارتباك غزّة المسلّح

بقلم: 

في كلمته التي ألقاها خلال مهرجان الاحتفال بذكرى الانطلاقة الـ22 لحركة "حماس"، وصّف إسماعيل هنيّة الحركة بأنّها "الجناح الجهاديّ للإخوان المسلمين على أرض فلسطين". هذا التوصيف الذي لطالما سمعه الفلسطينيّون وقرأوه في أدبيّات "حماس" وتصريحات قادتها، لم يتجاوز حدوده التعريفيّة إلى فضاء الواقع الفلسطينيّ إلا بعد تعرض المشروع الإسلاميّ الكبير لطعنة نجلاء تمثّلت في عزل الرئيس المصري الإخوانيّ المنتخب محمّد مرسي على يد وزير دفاع عيّنه المعزول وكاد، أيام حكمه، أن يقول فيه شعراً.

وإذا كانت تجليّات الارتباط البنيويّ ووحدة المصير بين "إخوان" مصر ونظرائهم على امتداد فلسطين، ما بعد عزل مرسي، ظلّت محصورة في أنشطة وتظاهرات ذات طابع مدنيّ، تتوسّل الصبغة التضامنيّة الإنسانيّة، ما بين رفع صورة الرئيس المعزول على المسجد الأقصى تارة، والاعتصام أمام السفارات المصريّة تارة أخرى، فإنّ الفضّ الوحشيّ المسلّح لاعتصام رابعة العدويّة في آب/أغسطس الماضي، كشف من التضامن المذكور عمقه الايديولوجي، ودفع من يملك سلاحاً من إسلاميي فلسطين إلى الاستقواء بهذا السلاح في موجة "تضامنهم" المرتبك.

ففي مدينة رفح الحدوديّة، الواقعة بين مصر وفلسطين، خرج لواء مسلّح تابع لكتائب الشهيد عز الدين القسام، جناح "حماس" المسلّح، في عرض عسكريّ لا غرض له إلا "التضامن" مع رابعة العدويّة. العرض الذي رفع خلال مقاتلو القسّام شعارات رابعة العدويّة والإخوان المسلمين، كان كاشفاً. إذ جاهر، للمرّة الأولى، بانتماء "حماس" لتنظيم "الإخوان" من مستوى الكلمة إلى مستوى الفعل الاستعراضيّ الذي يستقوي ببندقيّة المقاومة لأغراض لا علاقة لها البتّة بالمقاومة.

لم ينته استخدام سلاح المقاومة الفلسطينيّة في إرسال رسائل إلى الخارج، عند حدّ عرض رفح العسكريّ، والذي اعتبره موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي في "حماس"ّ، خطأً يجب الاعتراف به والاعتذار عنه. إذ تكرر هذا "الخطأ" في عرض عسكريّ لاحق على الجهة الأخرى، شمالاً من القطاع المحاصر. العرض الذي شاركت فيه، إضافة إلى كتائب القسّام، أجنحة مسلحة من فصائل أخرى، كان مخصصاً، بحسب القائمين عليه، للتأكيد على أنّه لا شأن لفصائل المقاومة الفلسطينيّة إلا بفلسطين، وللتدليل على "وحدة الصفّ المقاوم"، لكنّ العرض أثبت نقيض أغراضه في مشهد سخرية مسلّحة بامتياز.

وسرعان ما أعلنت كتائب أبو علي المصطفى، الجناح العسكريّ لـ"الجبهة الشعبيّة"، انسحابها من العرض بعد "خرق حماس لشروط الاتفاق"، إذ حيث رفع عناصر القسّام، مجددًا، إشارة رابعة التي تبدو اليوم لكثر من إسلاميي فلسطين بديلاً موضوعياً لإشارة النّصر أو سبّابة التوحيد التي عوّدونا عليها. فشل العرض في التأكيد على وحدة البندقيّة (إضافة إلى انسحاب كتائب أبو علي مصطفى، رفضت سرايا القدس المشاركة)، كما فشل في قصر رسائله على الداخل، وأعطى قرينة جديدة على عطب في القدرة السياسية لقيادة "حماس" على ضبط العناصر المسلّحة الغاضبة إزاء ما حدث "لإخوانهم" في مصر.

فشلت "حماس"، التي تدير القطاع منذ ستّ سنوات، في استيعاب وبلع الضّربة المصريّة حتى اللحظة. الدعوات التي تطلقها الحركة بين الفينة والأخرى، لإشراك آخرين في إدارة القطاع، وردّتها النفعيّة لخطاب الوحدة، ما هي إلا عارض آخر من عوارض الأزمة التي خدشت اليقين "الحمساويّ" بوطن عربيّ إسلاميّ من المحيط إلى الخليج.

غزّة المحاصرة، المتخمة بسلاحها، والمثقلة ببطولاتها الإجباريّة، تختبر اليوم لحظات غاية في التوتّر والحرج. المجموع الشعبيّ القابع فيها، مرغماً على الصمود والتحدّي، لا خيار مطروحاً أمامه إلا مشاهدة كل هذا التخبط المسلح، وحياكة أصدق الأمنيات وأعقدها بألا يصير أبطال غزّة، تحت سكرة جرحهم الايديولوجيّ وتخبطهم الملحوظ، أبطالاً عليهم.. وعليها

المصدر: 
المدن