شيء من ذاكرة قريبة ...

بقلم: 

 

تعرفت على الشيخ خضر عدنان للمرة الأولى يوم الجمعة 15 فبراير 2013، كان يومها دعوة لاعتصام تضامني مع الأسرى في الساحة المقابلة لبلدية البيرة ... انتهى الاعتصام بعد حضور الرئيس محمود عباس ولفيف من الشخصيات الوطنية والإسلامية ... لم يبق أحد في الساحة بعد ذهاب الرئيس ... سوى بعض من طلاب جامعة بيرزيت وأساتذتهم ... كانوا سبعة ... جلسوا في إحدى خيم الاعتصام ... وحدهم ... ولم يمض وقت طويل حتى هبت ريح قوية أدت إلى انهيار الخيمة فوق رؤوسهم ... وألقت بعضهم أرضاً ... خرجوا من أسفل الخيمة ... ليجدوا الريح وقد اقتلعت أيضاً الخيام الرمزية في الساحة ... تناثرت صور الأسرى والملصقات في كل مكان ... وطارت في حالة فوضى ... جلس هؤلاء الطلاب وأستاذتهم يلملمون الملصقات ويحاولون إقامة الخيمة من جديد ... حتى دخلت الساحة سيارة لا أذكر نوعها هبط منها الشيخ خضر عدنان وبعض من رفاقه ... تساءلوا عن تحول المشهد ... وبعد أن علموا ... انضم الشيخ ليحمع صور الاسىرى عن الأرض بحماس هاتفاً: لا يليق بكرامتهم أن تكون صورهم ملقاة على الأرض ...

كان هذا هو اللقاء الأول ...

ما زلت أذكر كيف اندفع الشيخ ليجمع الصور و الملصقات ... وكيف كان حريصاً على ألا يضيع مجهود الاعتصام بسبب الريح والجو العاصف ... وأذكر كيف نجح الجميع بعد وقت مرّ على عجل بين أكفهم ... في إنقاذ ما استطاعوا من الريح ... في ساحة لم يكن فيها في ذلك الوقت أحد ... سواهم ...

المرة الثانية ... التقيته مع وفد من أستاذة وطلاب جامعة بيرزيت في مقر الصليب الأحمر ... عندما أعلن الإضراب عن الطعام تضامناً مع الأسرى الفلسطينيين ... كان يوماً مؤثراً ... الشيخ لم تفتر عزيمته وهو يطالب برسالة إنسانية للتضامن مع الأسرى ... كان وقتها إلى جانب الشيخ في إضرابه مجموعة من طلاب الجامعة ... منهم بالمناسبة من شارك في مسيرة الأربعاء الماضي في رام الله ... كانت لوحة وطنية بامتياز ... بأطيافها السياسية المختلفة من الخمسة المضربين عن الطعام في مقر الصليب الأحمر ...

أذكر أيضاً ... والشيء بالشيء يذكر ... أن إحدى الطالبات ... وهي بالمناسبة ممن شاركن في مسيرة الأربعاء ... كما ظهر فيما تناقلته وسائل الإعلام عن المسيرة ... قد لحقت بنا إلى مقر الصليب الأحمر ... قادمة من أمام سجن عوفر ... بعد أن أصيبت برصاصة مطاطية ...

أكتب هذه الذكريات اليوم عن الشيخ ... والمشاهد التي رأيتها قبل أشهر ... وهو ليس بحاجة لشهادتي ... ولكن كي أقول أنه من المؤسف أن يتعرض الشيخ خضر عدنان لما يشبه الحملة ضد مشاركته في مسيرة يوم الأربعاء الماضي ... إنه نفس الشيخ خضر عدنان الذي أمضى أكثر من خمسين يوماً في إضرابه عن الطعام قبل أن يبدأ الحراك الجماهيري لدعم خطوته الوطنية ... إنه نفس الشيخ الذي التقيته ورأيته في موفقين مختلفين ... وكان فيهما نموذجاً وطنياً مشرفاً ...

إننا في أمس الحاجة إلى صوت الحكمة الوحدوي في هذه الأوقات الصعبة ... لا إلى الاحتقان ... قد نخطئ في بعض تقديراتنا أو أفعالنا أحياناً ... وهذا أمر طبيعي في ظل الاستمرار في العمل ... ولكن هذا لا يعني أن نغذي جو من الاحتقان بأيدينا .. فحاجتنا إلى مجتمع صحي تعددي وحدوي ... قادر على مواجهة التحديات ... هي متطلب المرحلة الوطني ...

إنها فقط رسالة من الذاكرة ... عن مشهد وطني رأيته قبل أشهر قريبة ... وعن رجل تعرفت عليه ... وعرفت فيه روحاً وطنية مشرقة ...

الشيخ خضر عدنان ... سلام لك وتحية ...