الثروة الإسرائيلية الجديدة

بقلم: 

 

ليست الممالك والمشيخات النفطية وحدها هي التي تستحوذ على القوة الاقتصادية في الشرق الأوسط؛ إسرائيل أيضاً صار بوسعها ان تلتحق بهذه القوة بعدما اتخذت قراراً بوضع مواردها الغازية في خدمة التعاون الاقليمي، المفضي الى السلام. فضمن اللعبة الكبرى حول الطاقة الدائرة في الشرق الأوسط، تملك اسرائيل حقلين نفطيين أساسيين: حقل "تمار" وحقل "ليفياسيان". فقط ينقصها أن يثبت رئيس وزرائها نتنياهو إمتلاكه للرؤية السياسية ليخوض على الوجه المطلوب ما يسمّى بـ"ديبلوماسية الغاز".

الحقلان النفطيان يقعان في بحر حيفا، في تلك البقعة من شرق المتوسط حيث يملك كل من لبنان ومصر وقبرص، هي البلدان المحيطة بها، ثروات نفطية في مياهها الاقليمية. بالنسبة لإسرائيل، فإن اكتشاف هذه الحقول على شواطئها كان مثل الهبة الإلهية؛ فبفضلها لن تكون بعد الآن تابعة لمصر من حيث حاجتها للطاقة، إذ كانت تستورد منها نصف حاجاتها منها حتى العام 2010.

مع حقل "تمار"، الذي يؤمّن 282 مليار متر مكعب من الغاز، سوف تغطي إسرائيل حاجاتها الى الطاقة خلال الأعوام الخمسة وعشرين المقبلة. يبقى موقع "ليفياسيان"، الذي يحتوي على 540 مليار متر مكعب من الغاز، فضلاً عن حقول أخرى لم تُستكشف بعد. ماذا تفعل اسرائيل بمصدر الثروة هذا؟ النقاش ما زال دائراً الآن بين أنصار الدعوة الى حفظ هذه الثروة لمصلحة الأجيال المقبلة، وبين المدافعين عن تصديرها من أجل ملىء خزينة الدولة. ولكن الحكومة حسمت الأمر في نهاية حزيران الماضي عندما قررت بأن 540 مليار متر مكعب سوف يخصّص للإستهلاك المحلي، فيما نسبة الأربعين بالمئة المتبقية سوف تصدّر الى الخارج.

إضافة الى الجانب المركنتيلي لموضوع الغاز الإسرائيلي، هناك البُعد الجيوسياسي. يقول أوديد آران، المتخصّص بالدراسات الاستراتيجية في تل ابيب، بهذا الخصوص: "إن الغاز الاسرائيلي يمكن ان يؤثر على اللعبة الاقليمية، بل يمكن ان يغير من معادلات الأسواق الأوروبية والآسيوية، بما فيها الهند وروسيا". ومن بين الدول المرشحة لشراء الغاز الاسرائيلي، يأتي الأردن على رأس القائمة.

فالمملكة الهاشمية بحاجة ماسة الى الطاقة لتغذية محطاتها. كانت مصر تزوّدها بثمانين بالمئة من حاجتها، الى ان توقفت بعدما تزايدت الهجمات المسلحة على أنابيب النفط في صحراء سيناء. الحكومة الإسرائيلية اتخذت قراراً مبدئيا بتزويد جارتها الأردن بالغاز. ولكن الملك عبد الله الثاني يبقى صامتاً حول الموضوع، خشية ان يمنح للإسلاميين تهمة التعاون مع "الكيان الصهيوني".

فالمهم ان لا تضع دولة اسرائيل توقيعها على اي إتفاقية حول الغاز، فيكون بذلك بوسع المملكة ان تستورد الغاز بصورة غير مباشرة، بواسطة إحدى الشركات. أما الشريك الثاني المحتمل فهو الدولة التركية، وهي حليفة سابقة لإسرائيل ومستهلكة ضخمة للغاز الطبيعي. ان اكتشاف حقل "ليفاسيان" كفيل بتصدير ما يكفي من الغاز الى تركيا لتتلخّص من تبعيتها للغاز الروسي، الذي يزوّدها بنسبة سبعين بالمئة من حاجاتها.

حتى لو كانت العلاقات الثنائية التركية الإسرائيلية قد تدهورت، بعد الهجوم الاسرائيلي على باخرة مافي مرمرة في أيار 2012، فان رجال الأعمال الأتراك هم على لائحة اول المستفيدين من شراء كميات الغاز الإسرائيلي الجديدة. فالبلَدان يملكان تاريخاً مشتركاً من التعاون العسكري والسياحي، وعلاقاتهما التجارية لم تتأثر كثيراً بالصدامات والتوترات الديبلومسية بينهما.

واليوم، يمرّ ثمانون بالمئة من الغاز الإسرائيلي المصدّر الى روسيا وأذربيجان عبر تركيا، ثم خطوط باكو-تبليسي-سيحان. أما قبرص، فلا تحتاج الى الغاز الإسرائيلي، بعد اكتشاف حقل "أفروديت" على شواطئها. ولكن يمكن ان تكون محطة ترانزيت للغاز الاسرائيلي المصدر الى أوروبا. إلا ان روسيا لن تنظر الى هذه المحطة بعين الرضا، وسوف تعتبرها منافسة لها.

يبقى الجاران المباشران، أي مصر وفلسطين. الأولى، التي لم تحسن إدارة مواردها الغازية في الماضي، قد تكون في المستقبل بحاجة الى إستيراد الغاز الإسرائيلي. ميكائيل لوتام، الخبير بالطاقة في وزارة الخارجية الاسرائيلية، يقول بهذا الخصوص: "لطالما استوردت إسرائيل الغاز من مصر، من دون ان يغير ذلك في العلاقات بين البلدين. ولكن تصديرنا الغاز الى مصر الآن قد يدعم إتفاقية السلام القائمة بيننا".

هذا المبدأ ينطبق على الفلسطينين أيضاً. فاحتياط الغاز الواقع في بحر غزة يقدَّر بثمانية وثلاثين مليون متر مكعب، ما يوازي المبلغ الذي تحتاج اليه السلطة الفلسطينية، المهددة الآن بالإفلاس. ولكن للإسرائيليين بدورهم شروطهم: أن لا تستفيد منظمة "حماس" من هذه الموارد، ان يُضخّ الغاز عبر خط انابيب "أشكلون"، أي أن تكون اسرائيل هي الزبون الوحيد لهذا الغاز، الذي تشتريه بأبخس الأسعار... (...).

 

 

 

المصدر: 
لوموند