أفق السلام ... وآراء الفلسطينيين

بقلم: 

نجح وزير الخارجية الأميركي في إعادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى التفاوض، وعليه الآن أن يركز على مساعدة الجانبين في التوصل إلى اتفاق. لكن كثيراً من الإسرائيليين والفلسطينيين وداعميهم في الولايات المتحدة وحول العالم يعتقدون أن سعة الشقاق تجعل التوصل إلى اتفاق مهمة مستحيلة. ويقولون إن الهدف يجب أن يكون إدارة الصراع. لكننا نختلف معهم. ويرى المتشككون من الإسرائيليين ومؤيديهم الأميركيين مع نظرائهم في الجانب الفلسطيني أيضاً، أن الفلسطينيين يتمسكون بالمقاومة المسلحة في سعي لتدمير دولة إسرائيل التي لا تتغير كراهيتهم الدائمة وغير المبررة لها فيما يبدو. وللإسرائيليين قول مقتضب يعكس هذا المفهوم: «ليس هناك من نتحدث معه وليس هناك شيء نتحدث عنه».

لكن في الحقيقة، فإن أكثر من 20 عاماً من استطلاعات الرأي العلمية المتكررة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة تدحض هذه الأفكار بقوة وتقدم للزعماء في رام الله مساحة كبيرة للحركة في المفاوضات الجارية.

فتوجهات الفلسطينيين تجاه إسرائيل وعملية السلام متفاوتة ومعقدة. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الفلسطينيين قلقون من أن السلطة الإسرائيلية تستطيع أن تزيل منازلهم. ومنذ عام 1967، تم نقل 28 ألف منزل فلسطيني وحظيرة للماشية وأبنية أخرى، نقل منها أكثر من 676 مبنى في عام 2012 وحده. ويستغيثون أن بناء إسرائيل طرق ومستوطنات جديدة و»جدار عازل» يمتد 430 ميلاً سيحرمهم من الوصول إلى ما يعتبرونه أراضيهم. ويقدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن ما يزيد على ستة آلاف فدان في الضفة الغربية انتقلت إلى قبضة إسرائيل عام 2012، وإن 36 ألفاً من وحدات السكن الجديدة في المستوطنات الإسرائيلية تم الموافقة عليها. ويعيش الفلسطينيون في حالة خوف دائم لأن الجنود الإسرائيليين يستطيعون اعتقالهم وسجنهم لفترات طويلة أو يلحقوا بهم أو بأفراد من أسرهم ضرراً بدنياً. وفي مسح لشهر يونيو عام 2013، قال 74 في المئة من الفلسطينيين إنهم قلقون من أنهم أو أفراد من أسرهم قد يلحق بهم ضرر من الإسرائيليين أو تتعرض أراضيهم للمصادرة أو منازلهم للإزالة.

لكن غالبية من الفلسطينيين يرفضون استخدام العنف ضد الإسرائيليين، وفي استطلاع رأي في الآونة الأخيرة، عارض 59 في المئة الانتفاضة المسلحة ودعم 61 في المئة المقاومة غير العنيفة والتحكيم الدولي. ويتبنى عدد كبير من سكان الضفة الغربية، على الأقل حالياً، نهجاً غير عنيف لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي حتى مع استمرار أقليات كبيرة في تبرير استخدام أعمال العنف.

وربما يكون من أكثر الأمور المشجعة هو أن معظم الفلسطينيين يدعمون حل الدولتين، إسرائيل بأغلبيتها اليهودية تعيش في سلام جانب دولة فلسطين التي لم تؤسس بعد. وعندما سئلوا عن حل الدولتين، وافق عليها 53 في المئة من الفلسطينيين وعارضها 46 في المئة. وتدعم غالبية كاسحة من الفلسطينيين مصالحة كاملة وحقيقية بين الشعبين، في حال استتباب سلام دائم. وحتى في أحلك أيام الانتفاضة الثانية، كانت النتائج تُظهر أن نحو ثلاثة أرباع الفلسطينيين (73 في المئة) يدعمون المصالحة بين الشعبين بمجرد انتهاء الصراع وإقامة دولة فلسطين. وحتى في ظل ما يعتبرونه ظروفاً صعبة للاحتلال العسكري، لا يعادي الإسرائيليين إلا قلة قليلة من الفلسطينيين. فعلى سبيل المثال، عندما سئل فلسطينيون، في مسح الباروميتر العربي لعام 2006 لتقييم ديمقراطيات العالم والمقارنة بينها، وضع الفلسطينيون إسرائيل في مكانة تسبق حكومات الأراضي الفلسطينية والولايات المتحدة وأوروبا.

ويتباين الفلسطينيون أيضاً في استعدادهم للتفاوض وتقديم تنازلات وأيضاً في تفاؤلهم فيما يتعلق بعملية السلام. فمواصلة بناء المستوطنات الإسرائيلية يعزز توجس الفلسطينيين من الطموحات الإسرائيلية طويلة الأمد، مما يجعلهم يعتقدون أن إسرائيل عازمة على التمسك بكامل الضفة الغربية ومنع ظهور دولة فلسطينية.

والفلسطينيون الأكثر عرضة للخطر (من الاعتقال والضرر البدني وإزالة المنازل وتوسيع المستوطنات وغير ذلك) يؤيدون العنف بشكل أكبر. والفلسطينيون -مثل الإسرائيليين- ينظرون إلى الجانب الآخر باعتباره غير راغب في تقديم تنازلات. ومجرد فكرة عناد الجانب الآخر تذكي التشاؤم والتشدد. ووفقا لهذا، ترتفع رغبة الفلسطينيين في التوصل إلى حل وسط بشدة، وعلى مدار سنوات، عندما يصبح الفضاء السياسي واعداً وتهبط رغبتهم عندما تبدو الأمور راكدة ويائسة.

وبصفة عامة، يدعم الفلسطينيون على نطاق واسع المقاومة غير العنيفة للاحتلال وتسوية تفاوضية تؤدي إلى إقامة دولة. وتتزايد هذه الميول مع تقلص الأخطار ودعم احتمالات الحل. وعلى الشعب الإسرائيلي والمفاوضين أن يطمئنوا: هناك بالفعل من يستطيعون التحدث إليه في الجانب الفلسطيني وهناك شيء يتعين الحديث عنه.

*مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية

**متخصص في علم الاجتماع