نحو تصفية تاريخية للقضية الفلسطينية

بقلم: 

لا بأس من العودة إلى كتاب “الحرب” ل “كلاوزفيتز” طالما أن طبولها تقرع في بلادنا بقوة هذه الأيام، إذن “الحرب هي فعل عنف غايته إجبار الخصم على الخضوع لإرادتنا السياسية” بحسب مؤسس علم الحرب الذي يرى أيضاً أنها “امتداد للسياسة بوسائل أخرى”، علماً أن هذا التعريف مسبوق بتعريف عربي للشاعر نصر بن سيار الذي رأى أن “الحرب أولها كلام”، وقد توصل إلى هذا الاستنتاج قبل ألف عام من خلاصة كلاوزفيتز .

الواضح أن الدول الغربية شنت حروباً عديدة في بلادنا منذ النصف الثاني من القرن الماضي كانت كلها لمصلحة “إسرائيل” أي “لفرض إرادة” الدولة الصهيونية على العالم العربي بوصفها امتداداً للغرب وجزءاً بنيوياً منه يستدعي بذل التضحيات البشرية والمادية  الكبيرة من أجلها: لنتذكر حرب السويس عام 1956 وحرب 1967 التي انطوت على تغطية غربية شاملة وبكل الوسائل، وحرب العام 1982 على لبنان التي شاركت الدول الغربية ليس فقط بحمايتها ودعمها في المراحل كافة، وإنما أيضاً بإرسال قوات دولية من أجل مساعدة الغازي في السيطرة على الأرض وترتيب اتفاق 17 مايو/أيار مع لبنان 1983 لتثبيت نتائج الغزو وضمان بقاء هذا البلد تحت الإرادة “الإسرائيلية” . وحرب الخليج الثانية عام 1991وحرب عناقيد الغضب عام 1996  التي انتهت برعاية غربية للصراع  “الإسرائيلي” - اللبناني عبر اتفاق إبريل/نيسان . وحرب الخليج الثالثة عام 2003 التي أدت إلى تدمير العراق من أجل تحسين البيئة الآمنة ل “إسرائيل” كما جاء في العديد من  القراءات الغربية للحرب . ثم حرب العام 2006 على لبنان التي تمت بتغطية غربية شاملة، وبإعلان أمريكي صريح على لسان كوندوليزا رايس بأنها فاتحة شرق أوسط جديد، ومن ثم انتهت الى إرسال نحو ثمانية آلاف جندي دولي الى جنوب لبنان في إطار مهمة الأمم المتحدة  لحماية الحدود “الإسرائيلية” .

وقد شنت من بعد حرب ليبيا التي أطاحت القذافي واعتبرت نصراً ل “إسرائيل” أعلنه مراراً الكاتب الشهير برنار هنري ليفي الذي لعب دوراً مهماً في تنسيق الاتصالات من أجل شن الحرب . . هذا إذا أردنا إهمال حربي غزة عام 2008 و2012 اللتين استاثرتا بتغطية غربية شاملة  .

وإذ تقرع طبول الحرب الأمريكية بخاصة والغربية عموماً هذه الأيام في بلادنا وسط حرائق مشتعلة في العراق ولبنان وسوريا ومصر وتونس وليبيا فإنها تضمر الغاية نفسها أي ضمان الخضوع  للإرادة “الإسرائيلية” . ومن نافل القول إن المناورة الهزلية للتفاوض “الإسرائيلي” - الفلسطيني حول الحل النهائي خلال تسعة أشهر هي أشبه بتلك التي اعتمدت عشية حرب الخليج الثانية 1991 والتي توجت بمفاوضات مدريد وأدت إلى توقيع اتفاقية اوسلو، ويشاع بقوة هذه الأيام أن اتفاقاً جدياً بين الطرفين صار جاهزًا بمعظم عناصره، وأنه ينطوي على حل نهائي للقضية الفلسطينية يطوي عبره الفلسطينيون حق العودة الى أراضي العام 1948  على أن يعلنه أبومازن رسمياً بوصفه رئيساً لدولة قانونية هي عضو مراقب في الأمم المتحدة، وتصبح كاملة العضوية بمجرد أن تتخلى عن حق العودة وأن تحصر حقوق الفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة  .

لقد خاض “المحافظون الجدد” في واشنطن حرب  العراق  دفاعاً عن “إسرائيل” كي  تصبح البيئة المحيطة بها أكثر أمناً ومدعاة للطمأنينة، والراجح أن حرب هذه الأيام إن تمت فستكون من أجل إلغاء آخر مقاومة مسلحة وسياسية للدولة الصهيونية وبالتالي تميكنها من فرض إرادتها على مجمل البيئة المحيطة بها مقابل عرض القضية الفلسطينية عبر “صولد” تاريخي ينتقل فيه الشعب الفلسطيني من حال الاحتلال إلى حال التبعية، ونحن هنا نتحدث عن انتصار الغرب في الحرب الجديدة .

ثمة من يعتقد أن الحروب السابقة كما الحرب الوشيكة (إن حصلت) كانت كلها مخططة من أجل الحصول على “تنزيلات” فلسطينية من الصعب الحصول عليها في ظل أنظمة عربية رافضة للتصفية، وتنازع الرئيس الفلسطيني سلطته على الشعب وعلى القضية خصوصاً أن الذين ينازعونه قضيته كانت لديهم أجزاء من الشعب والمنظمات الفلسطينية، ويتمتعون بوسائل تحرك وتعبئة فعّالة للغاية، ولعل المقارنة بين حال الفلسطينيين في العراق  في عهد النظام السابق وحالهم اليوم ومن يقارن الأمس باليوم والوسائل الموظفة في القضية الفلسطينية بالأمس واليوم سيصل إلى وجهين متناقضين للصورة، بل ثمة من يؤكد جازماً أن اتفاقية انسحاب الجيش الأمريكي من العراق قد انطوت على بند سري بألا يتدخل هذا البلد بالقضية الفلسطينية، وألا يبني معسكرات تدريب وتسليح ودعم للفلسطينيين .

في مرجع غير بعيد من كلاوزفيتز وإن كان قد سبقه بثلاثة قرون يرى مكيافيللي  صاحب كتاب “الأمير” و”فن الحرب” ومؤلفات أخرى أنه “من المفيد جداً أن يظهر المرء بمظهر الفضيلة” و”أن يساند ديناً ما، وإن كان يعتقد بفساده” . . تتلاءم هذه الرؤية مع سياسة  الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة الغرب التي تدمر بلداننا من أجل “السلام” كما تزعم، وليس من أجل مصالح “إسرائيل” وتدعم الدولة العبرية بكل الوسائل مع اعتقاد مرشديها المسيحيين، أن من تدعمهم هم المسؤولون عن قتل السيد المسيح .

إذا أردنا أن نرى بملء أعيننا، وأن نسمع بآذاننا جيداً، فإن مؤشرات شديدة القوة تفيد بأن “صولد” القضية الفلسطينية التاريخي قد أصبح جاهزاً، لكن إعلانه رهن بحرب جديدة تطيح بآخر معاقل الممانعة في المنطقة، أي بسقوط عرب جدد ومواقع عربية جديدة وهذا إن تم سيكون ملائماً أيضاً لتعريف مكيافيللي آخر “على المرء ألا يكون شريفاً على الدوام” . . أو البتة إذا كان من اليانكي وحلفائه .

المصدر: 
الخليج