قلنديا حين يبتسم المخيم

بقلم: 

بإبتسامته العريضة وكعادته لا يبخل مخيم قلنديا للاجئين الفلسطينيين على وطنه وأرضة . وحين يهدي التراب شيئا من رحيقة يكون الدم الأحمر المصلوب على جدران أزقته الضيقة  . صباحات هذا المخيم الداكنة  باللون المستشري داخل مفاصل الوجع الوطني . مختلفة بعض الشيئ عن صباحات فلسطين الملبدة غيومها بمشاهد متكررة وقد مل منها المواطن  بالاشكال والأسماء  والعاهات السياسية الموجوده من مسلسلات المفاوضات وأفلام الدجل التي باتت لا تنطلي على أي كان في هذا الوطن الموجوع والذي بات يعي ويعرف الحقيقة.

فحين ترى سلطة  قائمة على الأرض خالية من الصلاحيات فاقدة للهيبة  والحضور . هي مجرد حارس مرمى في الملعب الإسرائيلي  أو لربما تكون كلب حراسة إن صح القول فيها . وهي تحقق الأمن للمستوطنين من خلال أنشطتها ضد كل من يحلم حتى بمقاومة اسرائيل حتى ولو كان مجرد تفكير أو حلم . وتحرم مواطنيها من الأمن  والطمانينه وهي التي تملك أجهزة امنية عريضة الأكتاف والشوارب . تتحصن داخل المدن الفلسطينية في معسكرات ومقاطعات أمنية ضخمة وتنفق عليها الملايين وهي فقط  حاضرة  بالأسماء دون تقديم أي خدمة تذكر  للمواطن وإن كان تعريف الأمن في معتقداتهم غير الذي يعرفه المواطن . الذي لم يتدرب ويأخذ الدورات الأمنية على يد ضباط أجانب .

 المخيم  الذي يعتبر المدخل الجنوبي لمدينة رام الله، هو أيضا بوابة القدس وأحد مداخل المدينة من والى الضفة  الغربية  والذي يعرفه الناس جميعا عن ظهر قلب . من خلال تحركهم على طريقه المؤدية الى جنوب الضفة الغربية .وهو مشهد متعثر لا ترتاح له العين  وفيه مدخل مربك لا يخلو من الفوضى والعشوائية وهنا السبب في الاحتلال الذي ينزع الطابع الحضاري لشعبنا حتى يضعه في قالب  الفوضى والفلتان في خطوط السير والتنقل .

 إستيقظ أهالي المخيم الذين يبصرون صباح مساء في المعبر المؤدي للمدينة المقدسة ولبرج المراقبة العسكري الذي يراقب  حركات السير .  لم  يكن يوم المخيم وصباحه  كالعادة  بل كان فيه نوع من الغدر  والقتل المتعمد  من قبل قوات المستعربين التي تلبس اللباس الفلسطيني حتى تسهل من الانقضاض على فريستها دون اي وقوع  في الخطر . وان تخرج وتعود الى قواعدها  بسلام . عندما تغتال او تعتقل . لكن هذه المره وحين نفذت عملية اعتقال لاسير محرر في صفقة شاليط  . أتبعتها بعملية اغتيال مدبره لثلاث شبان وعددهم قابل للإزدياد في أي وقت  نظرا للعدد الكبير من الأصابات ومن بينها الخطيره في مواجهات الصباح والتي كان الموت فيها يحهز أكفانه  .

بدا المشهد  ساحة حرب  في شوارع المخيم وازقته الضيقة  بين الشباب  الذين كان سلاحهم الحجر في مقابل الجيش المدجج  بالعتاد . قتل الاحتلال الشبان بدم بارد دون ان يزعج منامات اهالي رام الله إلا من رحم ربي من  اهالي المخيم قاطبة وبعض الضواحي المجاورة للمخيم والتي  فاقت على أزيز الرصاص الذي اخترق اجساد الشبان المتوجهين الى عملهم  في الصباح  .

كانت ابتسامة المخيم أعرض من  انتصار المحتل الوهمي على الأزقة الضيقة التي اشهرت سيف التحدي في وجهه ووجه جنوده  الذين يرتعبون لمثل تلك المهمات  نظرا لأنهم يقابلون شبانا  يحبون الموت كما يحب جنود الاحتلال الحياة  . وتلك الابتسامة التي قتلت الوجه العابس للقضية  المشلولة  إلا من بعض محاولات الفشل التي يقودها أساتذة الفشل الجغرافي وهم يفاوضون المحتل على طاولة من خشب والأخر يقتل في الارض الفلسطينية وينهبها صباح مساء دون اي اكتراث للعالم ولا حتى أي تعبير لجيفة السلطة المتواجده في رام الله.

 وبعد كل تلك الافعال والاعمال  من قبل المحتل الذي يعتبره  المغردون خارج السرب بأنه  شريك في صنع السلام  حينها  تكون ردة فعل المفلسين هنا عبارات ثلاث تردد  صداها على أذان الشعب منذ 20 عاما وهي  . التنديد . والإستنكار .  والإنهيار . تنديد لمجزرة  من قبل المتقوقعين في مقر المقاطعة،  واستنكار لا يبعد عن شفاههم المرتجفة  ايضا  ومن ثم التلويح بإنهيار المفاوضات التي هي في نظر الشعب عبثية هي ومن يمارسها من الذين يأخذون من دم الشعب وقودا لكي يستمر قطار نذالتهم في الحركة  على  سكة المفاوضات والتهويد لما تبقى لنا من أرض .

رام الله العاصمة السياسية  التي قدرت لها الظروف أن تحمل هذا الاسم  واللقب دون غيرها من مدن الضفة الغربية  وهي مقر التواجد الأمني الكثيف للسلطة . كانت على موعد مع المجزرة بحق الشبان وقبل نحو عامين في شهر رمضان المبارك كان للاحتلال جولة من جولات القتل وبحق نفس شبان هذا المخيم . لكن المسلسل الهزيل بقي مستمر دون فواصل  ففي هذه المره هنالك فاصل أخلاقي من قبل المفاوض الذي رفض الذهاب واستقبال المحتل في أريحا  ردا على عملية الاغتيال  ومن ثم تكدس جميع من يلبسون  ربطات العنق لكي يستقبلوا وزير خارحية مصر الذي جاء لرام الله على متن طائرة أردنية زائرا  لمقر المقاطعة ومعزيا  في نفس الوقت حين كان استقبال إسرائيل  لوزير خارجية الثورة المضادة الزائر لمناطق السلطة  كانت الجريمة على بعد كيلو مترات من مقر اقامة الرئيس عباس  . وبهذا المشهد الدموعي الذي يعني أن اسرائيل  لا  تولي أي اهمية او اعتبار لمصر الجديدة  ولا حتى لقيادتها  . التي إكتفى وزيرها الزائر كنظيره الفلسطيني بالإدانه  وتحميل المسئولية للاحتلال  .

ليس هنا مربط الفرس فيما جرى من حدث أليم  أعاد إلينا المشهد من جديد لكنه مشهد جميل فيما يتعلق بصحوة الضمير لدى من لا يملكون ضمير بالأصل وهو إيضا انذار مبكر  بمدى إشتياق  الخط الشعبي البسيط  للانتفاضة التي هي المخرج الأصيل للوضع الراهن  والمعقد بعد  ترويض وقتل المقاومة وتدجين الشباب الواعي . لكي يكونوا عنصر  هدوء فاسد  في سماء الحرية التي ينتظرها الأسرى المنسيون والمضربون عن الطعام  . ويا له من مشهد  أعاد الهيبة للمخيم وقتل  الضحكة الصفراء  للمدن المغرورة . وكشف زيفها  وهي تعرض بأجساد الفتيات  في سبيل الرقي  والحضارة الملغومة  وهي  تترافع عن  واقعها الاليم وتتنكر لأصلها .  بأنها مدينة لشعب لا زال  يرضخ تخت نير الاحتلال.  تلك المدينة التي كانت عابسه ولا أحد يمر على  اسمها في الصباح ورغم هول ما حصل إلا ان  الواقعة كانت شهادة تليق بوجه المخيم وبأهلة  وناسه الذين لا ينضب عمرهم عن العطاء للوطن . وحين يبتسم المخيم ترى قلنديا ضاحكة من شدة الوجع . ترى العزاء والمدد من  مخيم عايدة ودهيشة  ومن مخيمات نابلس ومن الجلزون ومخيمات الخليل  . ترى الحكاية الحزينة بالعودة الى المجدل  وإسدود ويافا وصفد حاضرة ويقرئها الأطفال على أرواح الشهداء  قبل قبلة الوداع الاخيرة .

عند المواجهة غير المتكافئة وغير المتوازنة  ترى الشباب لا يتأسفون على مخيم بالأصل هو ليس موطنهم الأصلي ولا حتى من صلب أجدادهم  الذين عاشوا فيه وهم يتغنون بقراهم المسروقه وأراضيهم المنهوبة وهم يستمعون الى روايات أجدادهم واباءهم عن وطنهم في اللد  والرملة  وعكا والنقب وكل القرى المهجرة التي تشارك المخيمات نفس الابتسامة . ويتضح لرؤيتي المتواضعة ان  الشباب في واقع المصيبة وهم يودعون  أصدقائهم . هم غير مكترثين بضحكة صفراء  لا تعزي من واقعهم  شي . هم يقاومون لأجل أن يعودوا  وهم يناضلون لأجل الحرية لا غيرها  وحتى يخرجوا من واقع الألم المبلل برائحة الدم  والدموع . التي سالت على صدور الشهداء وعلى وجوه أمهاتهم اللواتي ودعن شباب يناهزون الورد في عمره . ويسددون فاتورة الحب بكاملها دون أي زيادة أو نقصان من  أرواحهم  ومن دمهم المراق في الحواري الضيقة التي كانت لا تتسع لأحلامهم التي تعادل وطن  بأكملة    ... طوبى للمخيم وطوبى لأهله  الكرام .