الأجواء مواتية للسلام ولكن ليس بالضرورة غدا أو بعد غد

بقلم: 

 

خلال الجولات الثلاث الأولى من مباحثات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، التي أجريت برعاية أميركية، أوضح الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن «كل القضايا مطروحة للتفاوض»، وأن أي اتفاق سيصدر عن هذه الاجتماعات سيكون بمثابة مؤشر على انتهاء الصراع إلى الأبد. كما وعدت تسيبي ليفني، أرفع مسؤول إسرائيلي في المباحثات، أن بلادها ستتخذ «قرارات مؤثرة» في نهاية هذه العملية.

تنبئنا التجارب السابقة أن الوعود الكبرى والآمال العريضة والنيات الحسنة التي نسمعها اليوم لن تؤدي إلى إنجازات حقيقية غدا. لكن علينا هذه المرة النظر إلى متغير جديد، هو أن هذه أول مباحثات سلام جوهرية بين الجانبين الإسرائيلي والعربي منذ بداية «الربيع العربي».

لم يفتح «الربيع العربي» نافذة جديد للسلام بعد، فالتاريخ الشخصي، والخلافات المستعصية والحوارات السياسية المحلية بشأن القضايا الرئيسة؛ الأمن والحدود والمستوطنات واللاجئين والقدس، التي ابتليت جهود صنع السلام العربي - الإسرائيلي بها في الماضي، ما زالت قوية كما في السابق. إلا أن ظاهرة «الربيع العربي» ونتائجه لا تعني أن اتفاق سلام، على الأقل في السياق الإسرائيلي - الفلسطيني، مستحيل، أو صعب التحقيق.

مقابل كل عقبة قد ألقيت في طريق السلام، كانت هناك فرص وحوافز للتوصل إلى اتفاق. ولقد تجلى هذا بوضوح عند الجانب الفلسطيني في ذروة الاحتجاجات الشعبية في العالم العربي عام 2011، إذ سعى عباس، على الفور، إلى التقرب من دول «الربيع العربي»، لتعزيز النضال الفلسطيني من أجل إقامة الدولة وتحويل الانتباه من العلل المجتمعية، من خلال الزعم بأن «الربيع الفلسطيني سيكون ربيعا من النضال السلمي الذي سيحقق هدفه».

لكن «الربيع العربي» لم يرتبط أبدا بالصراع العربي – الإسرائيلي، حتى بالنسبة للفلسطينيين، بل ركز خلال السنتين الأوليين له على الوظائف، والحقوق السياسية، ونصيب المواطن في مستقبل مجتمعه. وفي أعقاب المظاهرات المناهضة الأولى لإسرائيل في صيف عام 2012، على سبيل المثال، ركزت الاحتجاجات الجماهيرية اللاحقة في الضفة الغربية تماما تقريبا على المظالم الاجتماعية والاقتصادية المشتركة في المنطقة.

وعلى الرغم من أن الآمال العريضة في «الربيع العربي»، أفسحت الطريق أمام العنف الطائفي، والصراعات الداخلية على السلطة والحرب الأهلية، ما كان الصراع العربي - الإسرائيلي عاملا رئيسا، وبالفعل، حطم «الربيع العربي» وجهة النظر القائمة منذ فترة طويلة بأنه لن يكون هناك أي تغيير هيكلي عميق داخل العالم العربي حتى تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي. ولقد أظهرت الأحداث الأخيرة أيضا أن «الربيع العربي» كان له تداعياته على إسرائيل وعلاقتها مع العرب، الذين ما كانوا معادين للسلام.

ففي مصر، على سبيل المثال، سقط حسني مبارك المرتبط حكمه بعلاقات سلمية مع إسرائيل، وصعدت جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، قبل الحملة المضادة ضد الإسلاميين التي قادت البلاد إلى حالة الطوارئ. وما حدث هنا دفع صناع السياسة الإسرائيلية إلى التفكير بضرورة التركيز على الأمن قبل الدبلوماسية وتجنب تقديم تنازلات خطرة من أجل السلام في وقت الاضطرابات.

لكن الأحداث في مصر أكدت أيضا على متانة اتفاق السلام مع القاهرة حتى أثناء الفترة القصيرة التي تولى فيها الإخوان المسلمون السلطة. كذلك شكل الوضع في مصر تحديا أيضا لإسرائيل، إذ لا يمكن لها أن تدعي مشروعيتها، أو كونها لاعبا إقليميا أساسيا إذا ما اختارت الخروج من الأزمة، ووصفت «الربيع العربي» بأنه أمر يعود للعرب وحدهم. وبدلا من ذلك فإنها بحاجة إلى السعي للمساهمة في الاستقرار الإقليمي في المنطقة قدر الإمكان، عبر صنع السلام. ويبدو أن هناك وعيا متزايدا بهذا بين واضعي السياسات الإسرائيليين. ففي البداية، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن على حكومته أن لا تخاطر من أجل السلام استجابة لـ«الربيع العربي» الذي كان «إسلاميا، معاديا للغرب، ومناهضا لليبرالية، ومعاديا لإسرائيل والديمقراطية». لكنه أدرك تدريجيا أن إسرائيل بحاجة لأن تكون سباقة في السعي لتحقيق السلام من أجل حماية مصالحها والحفاظ على دورها في المنطقة.

من وجهة نظر إسرائيلية، الأزمة الجارية في سوريا تبدو بداية وكأنها تقدم حافزا ضعيفا لإعطاء الأولوية للسلام، فقد زادت الحرب الأهلية السورية من الخطر الأمني على حدود إسرائيل. وأدت إلى ازدياد العنف الطائفي في لبنان، وفرضت مزيدا من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على الأردن. وفي المقابل، أضعفت الحرب الأهلية السورية إلى حد كبير قيادة إيران المحور المناهض لإسرائيل في المنطقة، وكل هذا يعزز الأمن الاستراتيجي لإسرائيل وثقتها؛ كان كلاهما مطلبا أساسيا للحصول على امتيازات في أماكن أخرى. وبالمثل، جعل الصراع الدائر في سوريا إمكانية إبرام اتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا مستحيلا في المستقبل المنظور. وهذا يجعل الاتفاق مع الفلسطينيين أكثر أهمية بالنسبة لحكومة إسرائيلية معزولة إقليميا وتخضع لضغوط من مجتمع دولي يزداد تشاؤما بشأن فرص التوصل إلى حل «الدولتين» للصراع.

نعم، تسبب «الربيع العربي» في حالة الشك والاضطراب، ولكن كثيرا من الإنجازات المهمة في عملية صنع السلام العربي - الإسرائيلي؛ كزيارة السادات للقدس عام 1977، و«اجتماعات أوسلو» عام 1993، حصلت في فترات مشابهة.

* أستاذ الدراسات المتوسطية في كلية كينغز كولدج بجامعة لندن