لا يمكن إزالة حقيقة أن إسرائيل تقوم على أشلاء بلد اسمه فلسطين

بقلم: 

 

 إن التكوين اليهودي - الإسرائيلي، وخصوصا بعد طغيان اليمين واليهودية الشرقية ليس تكوينا صديقا للآخر، ولِصفته هذه بذاتها، فلن تكون العلاقة مريحة وإيجابية، كما لا يمكن بأي صورة إزالة الرواسب السابقة والتاريخ.

فليس هناك من سلام يمكن أن يزيل من العقل حقيقة أن هذه الدولة التي تسمى إسرائيل، ودخلنا معها في سلام دائم، تقوم على أشلاء بلد اسمه فلسطين، وأن وجودها هو اغتصاب، وأن التسوية ظالمة وغير عادلة ومفروضة.

من المستحيل أن يشعر المواطن العربي تجاه إسرائيل بالمشاعر نفسها تجاه أي دولة عادية أخرى، ولذلك سيحتاج الأمر إلى تعاقب عدة أجيال يصبح معه موضوع الظلم الذي حصل تاريخا غابرا لا تشعر به الأجيال الجديدة وحينها، على كل حال، لا نعرف ما هو مصير إسرائيل نفسها. فهي قد تتحول إلى دولة ثنائية القومية بفعل الواقع الديموغرافي أو أي شيء آخر.

ولكن في مسألة ما إذا كانت المواجهة مع إسرائيل العامل الرئيس في تعطيل التنمية والتقدم في العالم العربي، أقول: لا.

هذا ادعاء في الجوهر بقدر ما كان حقيقة في الظاهر.

نعم، القضية الفلسطينية (المركزية) والصراع مع الكيان الصهيوني كانا بالفعل محور الحياة السياسية في المشرق العربي. كان ذلك يسيطر على كل شيء، ومن خلاله تتم رؤية كل شيء، ولذلك من المنطقي إذا كان هناك فشل تنموي أو فشل من أي نوع ربطه بالصراع العربي - الإسرائيلي ووجود إسرائيل. لكننا لو سألنا التالي: ماذا لو لم توجد إسرائيل؟! الإجابة سهلة.. إسرائيل لم تكن جارة للجزائر بلد المليون شهيد، حظيت بدعم العرب والتفافهم حتى الاستقلال واستقرار السلطة التي لم تكن تعاني من استحقاقات الصراع مع إسرائيل، كما هو حال المغرب العربي عموما. غير أن الجزائر، البلد النفطي المستقل، ذهبت إلى تدهور مريع، ثم إلى صراع أهلي دموي مرعب، حيث عرفنا هناك لأول مرة، قبل العراق، قيام الإسلاميين الجهاديين (أو أيا كانوا) بجز أعناق الأطفال أمام عيون ذويهم.

لقد توافرت أمثلة على الفشل التنموي الاقتصادي والسياسي (باعتبار أن التنمية السياسية جزء لا يتجزأ من التنمية عموما) في غير مكان من العالم العربي والإسلامي، تقول إن أساس القضية يرتبط بشيء آخر أو أشياء أخرى، من بينها التكوين الاجتماعي - الإثني - الثقافي التاريخي. ويجب أن نعترف بذلك.

إن الجنس الأصفر، في شرق آسيا وجنوب شرقي آسيا، نجح نجاحا مذهلا، بينما أخفقنا نحن إخفاقا مذهلا، مع أننا انطلقنا من نقطة واحدة كعالم ثالث بعد نهاية الاستعمار. وبعد الحرب العالمية الثانية لم تكن دول آسيا أو أميركا اللاتينية بأي حال بأفضل من الدول العربية، من حيث التقدم والناتج الوطني الإجمالي، بل إنه كان لدينا ميزة عليهم هي توافر مصدر هائل للثروة الطبيعية في المنطقة، هو البترول.

انظر إلى كيف يعملون.. وكم هي قيمة العمل والإنتاج.. ومدى الدقة والالتزام والاحترام في علاقات العمل والتجارة، وحتى في العلاقات الاجتماعية. وانظر عندنا إلى القيمة الأساسية في العمل والوظيفة، التي تقول خذ أكثر ما تستطيع وأعط أقل ما يمكن، فهذا هو الربح وهذه هي الشطارة.. انظر إلى صفات التشاطر والنفاق والتعطل والتبطل والتكسب والاتكالية والتبرير.. وستجد في آخر القائمة الإخلاص في العمل والإتقان والعطاء.

طبعا، أنا هنا لا أعطي تفسيرا عنصريا جينيا لفشل التنمية. والعربي كفرد يمكن أن يكون من أفضل الناس في بيئة مناسبة، وهو يظهر كشغيل جاد وملتزم خارج بلده، وأيضا يمكن أن يكون عالما يحصل على جائزة نوبل، أو جراحا لامعا على نطاق عالمي، أو عاملا مثابرا وجديا في أي مجال.

ولكن كجزء من شعب ومجتمع وبيئة بعينها، فهناك سلسلة معقدة من الظروف التي تتضافر لتنتج ظاهرة معينة. وعلى سبيل المثال فإن ظاهرة التدين في العقود الأخيرة عندنا.. هي ظاهرة عالمية وليست حتى إسلامية فقط، لكنها في العالم الأكثر تخلفا أخذت أبعادا أكثر دراماتيكية، مع أننا نربطها في مشرقنا العربي بقوة بوجود إسرائيل واحتلالها للأراضي المقدسة وبطشها بالشعب العربي - الفلسطيني وفشل المشروع القومي في مواجهتها. قد يكون هذا عاملا حاضرا فعلا، لكنه ليس الوحيد، وهو لا يفسر كل شيء.

* نائب في مجلس النواب الأردني وكاتب في صحيفة «الغد»