يا سيادة الرئيس : نريد الأمن الذي وعدتنا به !

بقلم: 

 

سمعت الأخ الرئيس محمود عباس في بداية ولايته وفي سياق الحديث عن انجازات السلطة يستشهد بالآية الكريمة .." وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ". واليوم وبعد سنوات طويلة من حكم السلطة الوطنية الفلسطينية أود أن أتساءل عما إذا كان هذا الأمر قد تحقق أم أنه تحقق في بداياتها ثم تراجع إلى أن تلاشى عن المسرح.

فالأمن والغذاء ، وأقصد الأمن بمفهومه الأوسع بما في ذلك الأمن الغذائي هما المقومان الأساسيان للمجتمع والله سبحانه وتعالى حين أراد أن يعاقب قوما ً على كفرهم قال : " فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف ".

وبداية أقول بأنني لست هنا بصدد الحديث عن الجوع أو الأمن الغذائي فهذا موضوع كبير يتعدى حدود لقمة العيش وشربة الماء النقي ومنع الإحتكار والإستغلال والغبن الفاحش والتحرر من التبعية الإقتصادية ، وتكافؤ الفرص.. وغير ذلك وهو يتطلب بحثا قائما بذاته ، وإنما آثرت في هذه العجالة أن أتطرق للأمن بمفهوم الأمن الإجتماعي الذي يوفر للناس الإحساس بالإطمئنان على أرواحهم وممتلكاتهم وحرياتهم الفردية والجماعية.

وسأتناول هنا بعض ما يجري في المناطق المصنفة بمناطق "ب" والتي لا تستطيع السلطة وفقا لإتفاق أوسلو ممارسة وظيفة الأمن فيها بشكل علني وحر ، بالرغم من أن الظواهر السلبية التي باتت تحكم منطقة " ب " قد تجاوزت هذه المنطقة إلى الكثير من أجزاء المنطقة " أ " التي تتحمل السلطة فيها مهمات الأمن .

فالوضع في منطقة " ب " يتميز بغياب تام وشامل لسلطة القانون حيث يعاني الناس من انعدام الأمن الإجتماعي بتفشي الجريمة والإعتداءات على أرواح الناس وممتلكاتهم وحرياتهم ، وظهور العصابات التي بدأت تتعمق في المجتمع بشكل مافيات تمارس سطوتها على البلاد والعباد وهي تعرف بأن السلطة عاجزة عن فرض سيادة القانون وسلطته. فجرائم القتل تتكرر وبشكل شبه يومي ، والسرقات والنهب المسلح والإعتداءات والإيذاء الجسدي ، والتعدي على الممتلكات الخاصة والعامة ، وسرقة المياه والكهرباء والتعدي على حرمة الطريق والتوسع العمراني على حسابه ، وانتشار ظاهرة السيارات المشطوبة ، لا تأمين ولا ترخيص ، والأطفال الذين يسوقون السيارات دون رخص سياقة وغير ذلك مما يعكس استهتارا تاما بالقانون ، وبأرواح الناس وحقوقهم وحرياتهم . ويسهم في استفحال هذه الظواهر فشل الجهاز القضائي والنيابة العامة في القيام بواجبهما نتيجة تراكمات سنين طويلة من الأداء السيء الذي أصبح اليوم يستفحل في الجسد كالسرطان ولن يمكن التخلص منه إلا بجراحة استثنائية عاجلة .

ولا أبالغ إذا قلت بأنني أسمع من الكثيرين من الناس عبارات تنم عن رغبتهم في الهجرة من الوطن لا لشيء إلا لأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمن على أرواحهم وممتلكاتهم وحرياتهم ويتعرضون للإعتداءات أو الإبتزاز لأنهم لا يملكون عشيرة تدافع عنهم ولا مسؤول كبير في أحد الأجهزة يمكن أن يحاربوا بسوطه !

وهناك حالة استقواء على المواطن من قبل بعض المؤسسات الحكومية وتدخل في شؤونه الخاصة مما يشكل مساسا خطيرا بحقوقه الإنسانية الأساسية وأورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

هناك الكثير من المعاملات التي لا تتم في دوائر السلطة ما لم تقرها أو تفحصها دوائر الأمن. ومع أن هذا الأمر يبدو ضروريا ولا ضير فيه إلا أن التطبيق الشمولي لهذا الأمر يخلق تعقيدات أمام المواطن تعرقل شؤون حياته اليومية وتحمله المزيد من التكاليف التي هو في غنى عنها ، وهي تعطي الأجهزة الأمنية فرصة التدخل في الشأن اليومي لحياة المواطنين وفي مجالات لا صلة لها بالأمن الذي هو مناط بها ، ويفتح المجال أمام بعض هذه الأجهزة للتغلغل في بنية عدد من الدوائر والمؤسسات الذي يمكن أن يتطور إلى نظام حكم بوليسي دون أن نشعر. وبسبب الهاجس الأمني فقد ظهرت تجاوزات ومخالفات ناتجة عن سوء فهم حقيقي أو متعمد لنصوص القانون وتطبيقاته وتجاوزت بعض الأجهزة المهمات والصلاحيات المناطة بها حسب القانون وبدأت تمارس مهمات وصلاحيات ليست من اختصاصها. وأنا لا أزعم بأن هذا الأمر على أجندة هذه الأجهزة وإنما يتم بشكل فردي ولكنه في طريقه إلى المأسسة بحكم الأمر الواقع.

وثمة مثال آخر وهو الأسلوب الذي أتبع منذ بضع سنوات من قبل سلطة الأراضي الفلسطينية وبناء على طلب وزارة الأوقاف بأن لا يتم تسجيل الأملاك الخاصة التي هي بمثابة وقف غير صحيح أو ما يعرف بوقف التخصيصات إلا بعد تحكيرها لوزارة الأوقاف . ولتوضيح هذا الأمر فإن هناك عشرات الآلاف من الدونمات من أراضي الضفة الغربية وخاصة في مناطق القدس وبيت لحم والخليل والداخل معروفة بوقف التخصيصات أو بالوقف غير الصحيح ، وهي بلدات وقرى بكاملها ، مثل وقف خليل الرحمن ووقف خاسكي سلطان ووقف قبة الصخرة المشرفة وغير ذلك وهذه جميعها هي أملاك خاصة مسجلة باسم أصحابها ولا تعود ملكيتها للأوقاف كما هو الحال في الوقف الصحيح.

وقد تم حل هذه الأشكالية في الإتفاق الذي تم بين المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين وبين سلطات الإنتداب البريطاني بأن تتولى الحكومة جباية الضرائب عن هذه الأملاك وتدفع مبلغا ً مقطوعا كمساعدة لدائرة الأوقاف. وظل هذا الترتيب ساريا ً أيام الإنتداب البريطاني ومن بعده الحكم الأردني والإدارة المدنية والسلطة الفلسطينية إلى أن قامت وزارة الأوقاف مؤخرا بالطلب من سلطة الأراضي أن تسجل هذه الأملاك الخاصة باسم وزارة الأوقاف التي تقوم بدورها بتحكيرها لمالكيها !!

فمثلا ً لوكان أحدهم يملك بيتا ً بموجب كوشان طابو أردني ثم توفي وأراد أحد الورثة أن ينقله على إسمه فإنه لا يستطيع ذلك وعليه من أجل أن يحتفظ بحقه في ذلك البيت أن يتنازل عنه للأوقاف وأن يوقع عقدا معها بأنه استأجر أو تحكر هذا البيت من الأوقاف وهذا اعتداء صارخ على حرية الملكية الفردية .

وإذا أخذنا في الإعتبار أن هناك الكثير من الأراضي المملوكة للكنائس أو للمسيحيين هي من ضمن هذه الأوقاف غير الصحيحة أو ما يسمى وقف تخصيصات وأن هناك كنائس مقامة على بعض هذه الأراضي فإننا نطالب هذه الكنائس بأن تستأجر نفسها من الأوقاف الفلسطينية ! وقد أدى هذا الأمر بالفعل إلى عرقلة المضي في تسوية ومسح وتسجيل العديد من العقارات وخاصة في منطقة بيت لحم.

ويرجع أساس المشكلة إلى الجهل أو إساءة فهم مصطلح " ألوقف " . فالوقف نوعان : الأول هو الوقف الصحيح وهو مملوك للأوقاف وحدها ولها الحق في التصرف به من حيث التحكير أو التأجير أو غير ذلك ويسجل في دوائر الأراضي باسمها ، والثاني هو وقف التخصيصات ويعرف بالوقف غير الصحيح وهو ملك لأصحابه ويسجل في دوائر الأراضي باسمهم وتصدر شهادة التسجيل باسم المالك مع ذكر أن نوع الأرض هو وقف تخصيصات حسب نوع التخصيص ولا يقوم مالكها بتحكيرها للأوقاف وإنما يدفع عنها ضريبة الأملاك لوزارة المالية وفقا للترتيب آنف الذكر الذي تم بين سلطات الإنتداب البريطاني والمجلس الإسلامي الأعلى وظل سائدا حتى الآونة الأخيرة.

هذه بعض الأمثلة ، وقد أوردها على سبيل المثال ، وأنا واثق بأن هناك المزيد.

نحن يا سيادة الرئيس نفتقر للأمن وهو أهم وأكثر إلحاحا من لقمة الخبز ، وإذا لم تبادر وبأسرع وقت ممكن إلى إنقاذ أمننا المتدهور فعلينا وعلى أمننا السلام !

المصدر: 
القدس