براءة الصواريخ على اسرائيل

بقلم: 

يبدو أنه زمن البراءة. تبادل التبرئة بين "الأعداء".

بعد دقائق فقط على إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على نهاريا وعكا، سارعت إسرائيل إلى اتهام الجهاد العالمي! وسارعت أيضاً إلى نفي وقوف حزب الله خلف ما حصل! لا غرابة في الأمر. حتى اسرائيل وتاريخها العسكري، وفكرة الدولة القائمة على السلاح والخوف والتخويف، تستطيع أن تتهم بالسياسة أو تُبرئ بالسياسة. الواقع اليوم، أنها، ومن قاتلها، في خندق واحد. لا ضرورة إلى مواربة. 

النفي الإسرائيلي لوقوف حزب الله وراء هذا الحادث، مُشابه تماماً لقدرة النظام السوري على اعتقال الانتحاري بعد أن يُفجّر نفسه. التشابه ليس بمعنى أن الحزب هو الذي أطلق الصواريخ، بقدر ما هو إسقاط الحالة الإسرائيلية على شبيهاتها في سوريا ولبنان. محور الممانعة بأكمله اليوم، بأدائه وحروبه، شبيه تماماً بما تريده الدولة العدوة. شبيه إلى حد أن جورج بوش الإبن، لو نظر اليوم إلى خريطة الشرق الأوسط، لتحسّر على أيّام قضاها يحاول فكّ التحالف الممانع، فيما هذا التحالف وحده يُقدم لدول "الشرّ"، ما تريده وأكثر.

قبل أيّام، حصل التفجير الإرهابي في الرويس. أطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ليتحدث عن فرضيات وفرضيات. المهم، أنه فعل الوحيد غير المنتظر: إسرائيل لا تقف خلف عملية التفجير. أيام، وردت إسرائيل بالمثل. نصر الله اتهم جهات تكفيرية بتنفيذ التفجير. واسرائيل اتهمت جهات تكفيرية، بمسمى الجهاد العالمي، بإطلاق الصواريخ. واتهامها هذا لا يعني، في أحسن الأحوال، أنها تخاف الحرب التي لطالما كانت سلاحها للابتزاز والتفاوض على مكتسبات جديدة، بل لأنها تُدرك أن الحرب في سوريا، لإبقاء الأسد، أكثر من مطلوبة لديها. ومن خرج ليتحدث عن خوف إسرائيلي من قدرة المقاومة، يعيش، على الأرجح، في كوكب آخر.

تجتمع إسرائيل مع حلف الممانعة على محاربة التكفيريين. هم اليوم في خندق واحد. هذا التكفير الذي بدأ مع أطفال درعا، ويُكمل مع أولاد الغوطة، يستحق نقض فكرة المقاومة برمتها. يستحق أن توضع الفكرة على الرف، إلى حين يُقرّر صاحبها أنه حان وقت الاستثمار فيها لكسب المزيد. اليوم ليس وقتاً للكسب المحلّي، ولا وقت للرسائل الخارجية كما كان الحال العام 2006. تُنزل فكرة المقاومة عن الرّف حين تنتهي المهمة السورية، إن انتهت أصلاً. 

من يُنظّر على اللبنانيين، كما على السوريين، بأنه حامي أرضهم وعرضهم، وأنه وحده من يصون كرامتهم، عليه أن يراجع حساباته، يتواضع ويتسلّح.. بالصمت. لم تعد الأمور كما كانت عليه من قبل. الصورة اليوم أوضح بكثير. هذا الكمّ من العنجهية آن له أن ينتهي.

الخندق الواحد اليوم، يتحكم بالمعادلة، من سوريا إلى لبنان. غداً، تُعلن اسرائيل الحرب على التكفير، على غرار النظام السوري والحزب. غداً، جبال قاسيون ستكون في مأمن. المنطق يقول إن الأولوية للحرب على التكفيريين. مقاتلة التكفيريين، يعني أن إسرائيل ستشنّ غاراتها على جرود عرسال مثلاً تماماً كما النظام السوري. ولم لا؟ ستمرّ من مجدل عنجر وصيدا وطرابلس، وكل بيئة يُقال إنها تحتضن هذا الإرهاب. لا غرابة في مشهد الغد. لكنها، أي اسرائيل، ستحتفظ، على الأرجح، بحق الرد على التكفير، وتترك المهمة لمن أتقنها منذ أكثر من سنتين ولا يزال.

حادثة اليوم مُضحكة إلى أبعد حدود. الردود عليها، من جانب العدو، كما الجانب اللبناني، مُضحكة أكثر. البراءة المتبادلة بين "الأعداء" مستمرّة. اسرائيل تقول: حادثة الصواريخ أصبحت وراءنا. المقاومة أيضاً.

المصدر: 
المدن