من يضيّع خصوصية الوطنية ماذا يتبقى له ؟

بقلم: 

أعترف بأنني لا أعرف من هو صاحب القرار الفعلي والحقيقي في حركة حماس !!!
والسبب وراء هذا الاعتراف أنني أرى حركة حماس تبدو في صورة مناقضة تماماً لما أعلنته عن نفسها منذ انطلاقتها في نهاية عام1987, حين لم يستطع الاخوان المسلمون الفلسطينيون «المجمع الإسلامي في غزة» أن يظلوا بعيدين ومعزولين عن وقائع النضال الفلسطيني, وجاءت الانتفاضة الشعبية الشاملة لكي تنتزعهم من مواقفهم السابقة، فتشكلت حركة حماس لتمارس الكفاح، وتكون جزءاً من جهاد الشعب الفلسطيني.
و كان الاخوان المسلمون في قطاع غزة قد شهدوا تقلبات جدية من بعض قياداتهم الشابة، التي لم تقبل أن تظل في خانة الانتظار إلى ما لا نهاية، وكان أبرز تلك التفلتات وأكثرها جدية هي تلك التي قام بها شاب عميق وشجاع وصاحب رؤية وهو الدكتور فتحي الشقاقي – يرحمه الله – الذي أسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
وقد قرأت بعض المؤلفات المهمة التي كتبها أصدقاء أعزاء من حماس عن هذا المخاض، وأكدوا أن الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس وقائدها الروحي، بدأ منذ تأسيس حماس يسعى إلى رفع مكانة الحضور الفلسطيني، في التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين، وبدأ يعلي من شأن الخصوصية الفلسطينية في برنامج التنظيم الدولي، معتمداً على أهمية القضية الفلسطينية ومركزيتها، فصاحب هذه القضية، وطليعة النضال من أجل هذه القضية – وهو الشعب الفلسطيني – يجب أن يكون له هامش واسع في التنظيم الدولي، وليس تابعاً صغيراً.
وعلى هذا الأساس أدار الشيخ أحمد ياسين علاقاته بالكل الوطني بزعامة الرئيس ياسر عرفات، كما أدار علاقاته مع فصائل الاخوان المسلمين في المنطقة وفي العالم، كان الشيخ ياسين «يرحمه الله» يحرص على هذا الهامش، وعلى هذه الخصوصية، ولا يضحي بها على مذبح الآخرين مهما كلفه ذلك من ثمن، وكان يجد دائماً وسيلة ما لاستمرار اللقاء مع الكل الوطني من القوى المدنية والقومية اليسارية، وكان يقول لمساعديه وللقريبين منه، إننا إذا فقدنا هذه الخصوصية الفلسطينية فسوف نتوه في الطريق.
هل هذا المنطق ما زال قائماً؟
هل هذه الرؤية العميقة ما زال معمولاً بها؟
رغم وجود عقول مهمة في حركة حماس، ورغم وجود قيادات براجماتية من الطراز الأول، مفتوحة العقل على الأفق الواسع، ولكنني منذ وقوع الانقسام أرى أن هذه العقول وهذه القيادات تتراجع من حيث التأثير، ليصبح الميزان مفتوحاً لأخرين يشبهون ذلك الولد الأخرق الذي ورث عن أبيه تركة كبيرة وعظيمة ولكنه أضاعها ركضاً وراء أوهام وأضغاث أحلام.
الآن: سواء اعترفت حماس أو أنكرت، وقياساً إلى التحولات الجارية في المنطقة، وفي الوقت الذي يجري فيه بشكل جدي على الصعيد المحلي وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، مصير جماعة الاخوان المسلمين في مصر، هل تبقى بعد أن تتكيف؟
هل تترك المنصة العلنية وتنزل للعمل السري من جديد في ظل ظروف متغيرة تماماً؟
هل يرثها شبابها الأكثر التصاقاً بالواقع وبالزمن الذي يعيشون فيه؟
أم تغرق في النهاية المعتمة. وكم من أحزاب وحركات بل وحضارات سادت ثم بادت في لعبة الزمن؟
الأسئلة المطروحة على الجماعة في مصر، مطروحة بقوة أكثر على حركة حماس في غزة وفي فلسطين، ما هو العمل؟
و أنا أعتقد أن وضع حماس أفضل قليلاً من وضع الجماعة في مصر بسبب خصوصية الحالة الفلسطينية، وهذا يتطلب أن تؤمن حماس بوعي يقيني بهذه الخصوصية، وأن تذهب بقوة لأن تكون جزءاً عضوياً من الشرعية الفلسطينية!
لا جبل يحميها من الطوفان سوى الجبل الفلسطيني، الخصوصية الفلسطينية، الشرعية الوطنية الفلسطينية!
أما العناد الأرعن، وإدمان المحنة، والغرق في الحسابات الخاطئة، فلن يفيد بشيء على الإطلاق.

المصدر: 
الحياة الجديدة