معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي

بقلم: 

المنطقة العربية في هذا الوقت في حال لا تُحسد عليها، حيث إن الأحداث الجارية في مصر وسوريا وبدرجة أقل في تونس وليبيا وربما في بلدان أخرى، تعبر عن الحال التي وصلت إليها المنطقة، وهي نتائج دراماتيكية في كل الأحوال، والدليل أن الأمن القومي العربي مرحلياً انطفأت جذوته، كما أن كوامن التصدي للدولة الصهيونية في هذه المرحلة التي تُعد من أخطر مراحل التردي، خمدت ولم يعد الخطاب العربي سياسياً وإعلامياً واقتصادياً، مهتماً بإحياء محور الصراع العربي - “الإسرائيلي” ميدانياً أو حتى سياسياً في أضعف الإيمان، بل إن واقع المنطقة يؤكد أنها منغمسة في التشاغل الداخلي .  

والدليل أن ثلاثة بلدان عربية (من التي يعوّل عليها في محور هذا الصراع)، وجراء تشاغلها الداخلي، كما هي حال مصر وسوريا والعراق، بدت بعيدة وغير مؤهلة أصلاً للدخول في حلبة الصراع المقابل للدولة الصهيونية في الجانب المتفائل، فما بالك إذا ما رأينا حقيقة، أن جبهة سيناء تكبلت وخرجت من معادلة الصراع منذ اتفاقيات “كامب ديفيد”، بينما صمتت جبهة الجولان ولم تسجل أي نشاط لها يُذكر منذ حرب تشرين، وبالتالي فإن معادلة الصراع العربي - “الإسرائيلي” ومنذ أربعة عقود من الزمن لم يكن لها وجود عملياً على المستوى الرسمي، وهذا الواقع تردى أكثر فأكثر جراء الأحداث المشتعلة في أكثر من بلد عربي منذ أكثر من عامين، سواء كان ذلك في بلدان الطوق أو ما بعدها .

وما نشهده في هذه المرحلة دلالة على أن هذه الأحداث المشتعلة، ربما تسير إلى منحى سيناريو التفتيت، بعدما تأكد للمحللين والمراقبين أن الثورات العربية دخلت إلى منزلق هذا السيناريو، الأمر الذي يرشحها للدخول في فوضى شاملة يعلو فيها صوت المطالب الفئوية، وتغلب المصالح الطائفية والقبلية والمناطقية على المصالح الوطنية والقومية، في غياب قوى قادرة على المحافظة على تماسك النسيج الاجتماعي، و هو ما قد يفتح الباب أمام تفتت عدد كبير من بلدان المنطقة إلى دويلات صغيرة تقوم على أسس مذهبية وطائفية .

فالمنطقة الآن لا يختلف اثنان على واقعها المتردي، فقد باتت عرضة للتدخلات الإقليمية والدولية، كما أن العمل العربي المشترك تأثر بشكل كبير، وقد أصبح مرآة عاكسة لمشهد الانقسام والتوزع على محوري التقابل والتخاصم، ناهيك عن حال التشاغل والانهماك في الشأن الداخلي في أكثر من بلد عربي، كما هو سائد في مصر وسوريا وتونس وليبيا والعراق ولبنان واليمن وغيرها .

ولذلك غاب في هذا الوقت طرح الأسئلة على شاكلة، كيف نصل إلى المستوى الذي يؤهلنا للعودة إلى المعادلة المذكورة أو تفعيل هذا المحور من جديد؟ إذ علينا أولاً معرفة اتجاه البوصلة إلى أين سيؤدي في ختام هذه الأحداث التي ربما تطول كثيراً، كما عليه الحال في سوريا مثالاً لا حصراً .

وكان في رأي المحللين ومن باب التفاؤل آنذاك، حين هبت رياح ما يُطلق عليه “الربيع العربي” من تونس الخضراء ووصلت إلى الشواطئ المصرية في بداية عام ،2011 ساد اعتقاد مفاده أن عصر الاستبداد في الداخل والهوان في الخارج ولّى، وأن المنطقة على وشك الدخول في مرحلة جديدة تضعها على أعتاب الالتحاق بركب التقدم ومواجهة تحديات الداخل والخارج على السواء، وهو ما لم يحدث، نظراً للأحداث الواقعة والمشتعلة حتى الآن في سوريا ومصر وليبيا وتونس، وإذا ما أخذنا جانب إدارة الصراع مع الدولة الصهيونية، تبدو المنطقة في وضع أسوأ كثيراً مما كانت عليه قبل اندلاع هذه الأحداث .

فالجيش السورى يبدو الآن في وضع منهك ويعاني الحرب الأهلية التي لا يعرف أحد متى تضع أوزارها إلا الله، وهو من هذا الوضع الصعب قد خرج نهائياً بالفعل من معادلة الصراع مع “إسرائيل”، بينما الجيش المصري الذي يصفه الخبراء العسكريون، بأنه آخر الجيوش العربية المتماسكة والقادرة على التصدى لأي عدوان “إسرائيلي” محتمل، أصبح بدوره محاصراً بين مطرقة الخارج وسندان الداخل، خصوصاً بعد أن تحولت سيناء الآن إلى شوكة في خاصرته وخاصرة مصر، وهي النتيجة التي سعت “إسرائيل” وخططت طويلاً من أجل الوصول إليها، كما أنه منذ حرب تشرين وما أعقبها من اتفاقيات “السلام وكامب ديفيد” استكان لهذه الأجواء التي أبعدته عن خطط الصراع ومقتضياته واستعداداته .

وبالتالي، هذا هو واقع معادلة الصراع من الجانب العربي مع الدولة الصهيونية التي لم تأل جهداً في تحسين قواها العسكرية كماً ونوعاً .

المصدر: 
الخليج