صناديق غزة

بقلم: 

لم تعد غزة تزرع الورد وتصدّره إلى العالم في باقات خضراء مصنوعة من ثياب الشهداء، وإذا قالت الكاتبة اللبنانية غادة السمان قبل أكثر من ثلاثين عاماً: لا بحر في بيروت، فاليوم، لا بحر في غزة، والذين يقولون ذلك ليسوا الشعراء، (فلا شعراء في غزة أيضاً)، بل يقوله البحارة الغزاويون الفقراء .

ذبلت أشجار البرتقال في القطاع الذي يبدو رهينة ثقافة تجازف بالحياة وتلتحق بشيء من الثقافة المضادة . أما العصافير فقد بنت أعشاشها في فوّهات الصواريخ، ولم يعد لك مقهى على الشاطئ تكتب فيه مراثيك أو غَزَلك، هذا إذا كان هذا الموضوع الشعري ممكناً في بيئة الفعل الانقسامي الذي يوسّعه السياسي الجالس في مكتبه الذي لا يشبه مطلقاً تلك البيوت التي تحتاج إلى شيء من الترميم .

ولكن . . مَنْ يُرمّم مَنْ؟، فمن المثقف وحتى السياسي، من الشاعر وحتى الثائر، من المزاج الصباحي المعتدل، وحتى المزاج المتطرف المتكدر والمتجهم كل شيء، كما لو أنه يبدو في غزة في حاجة إلى ترميم وتصليح، والكل يرفض خياطة الرتق الذي يكشف عن عورة سياسية ثقافية ينزّ جرّاءها عرق الخجل .

لم تعد غزة تصدّر الليمون في صناديق تصلح أيضاً للذكريات، فعندما تكثر حاجيات الغزّاوي الحميمة وحتى الصغيرة منها يضعها في صناديق . . ثياب الشهداء، خواتم الأمّهات القديمة، أمشاط النساء العابرات سريعاً إلى الفردوس الأخير، بعض القصائد الابتدائية، كل شيء في الصناديق . حتى السياسة في صندوق، والثقافة أيضاً في صندوق .

ماذا جرى لغزة، وَمَنْ فعل بها كل ذلك؟

لست شاعراً لأتنبأ باليوم التالي لغزة، ولست محللاً فكرياً سياسياً عقائدياً، ولا أضرب في الرمل ولا في الماء، فقط، ها أنت تتفرج على غزّاوي فوق الأرض، وآخر تحتها، غزاوي يعيش في نفق، وغزاوي يتناول وجبته الكاملة الدسم في فيلا متواضعة بعض الشيء .

لم تعد غزة تزرع الورد

لم تعد غزة قصيدة أو أغنية أو طفلة تحلم برقص الباليه . . بعد “مئة عام من العزلة” .

المصدر: 
الخليج