واشنطن واحتياجات اسرائيل “الأمنية”

بقلم: 

عندما تكون واشنطن في حالة تفرض عليها مراجعة سياستها تجاه المنطقة العربية التي تشهد تغييراً لا سابق له في تاريخها الحديث، تصبح عملية تشكيلها لجنة مشتركة مع “إسرائيل” لوضع توصيات لترتيبات أمنية في حال انسحاب قوات الاحتلال من الضفة الغربية بما يضمن أمن الكيان مستقبلاً، جزءاً من هذه المراجعة التي يتطلبها واقع تصدّع عالم القطب الواحد والهيمنة الأمريكية، وضبابية مستقبل العديد من مناطق النفوذ على الصعيدين الدولي والإقليمي، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط التي تقف على فوهة بركان تحت وطأة الحرائق المشتعلة في الدول العربية الوازنة المحيطة بفلسطين المحتلة: سوريا والعراق ومصر، وفي ظل التهويل الذي تضخه الماكينة السياسية والأمنية والإعلامية الصهيونية حيال ما يسمى “الأمن الإسرائيلي” وهواجس الوجود التي بلغت حد مطالبة البعض بتوسيع مروحة الأحلاف لتشمل كلاً من روسيا والصين بعد أن “فقدت الولايات المتحدة قوتها تماماً في الشرق الأوسط” .

ومع أن تشكيل هذه اللجنة المشتركة المؤلفة من عشرين من الأمنيين برئاسة الجنرال الأمريكي جون ألين، ورئيس شعبة التخطيط اللواء “الإسرائيلي” نمرود شيفر، والتي لا تخفي أن هدفها الرئيس هو تحصين أمن الدولة العبرية بترتيبات واسعة النطاق، جاء على خلفية تمكن وزير الخارجية الأمريكي من دحرجة عجلة المفاوضات الفلسطينية  “الإسرائيلية” وسط لهيب النيران العربية، إلا أن ما يجري تداوله من معلومات حول مهامها الفعلية يتجاوز ما يسمى “التداعيات الأمنية” التي يمكن أن يخلفها قيام الدولة الفلسطينية الموعودة، وإيجاد بدائل للمزايا التي يمنحها الوضع الحالي لجيش الاحتلال الذي يفعل ما يريد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما يتجاوز أسئلة نتنياهو وحكومته التي يرفض معظم مكوناتها، من حيث المبدأ، قيام أي شكل من أشكال السيادة الفلسطينية غربي النهر، المتعلقة بالأمن .

وتفيد المعلومات المتداولة بخصوص مهام اللجنة، بأنه، وإضافة إلى مهام اللجنة الخاصة بدراسة المعنى العملي لمصطلح دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وحجم القوات الأمنية الفلسطينية وشكلها وحجم تسليحها، ووضع الحلول لضمان “عدم تحوّل الضفة الغربية إلى غزة ثانية”، وتحديد الوسائل والأدوات الأمنية بين الأردن والضفة، وبحث بقاء عناصر من الجيش “الإسرائيلي” في غور الأردن، وكيفية الدفاع عن الكتل الاستيطانية وعن مطار بن غوريون، والبت بمصير محطات الإنذار وجمع المعلومات الاستخبارية في الضفة، والتعاون الاستخباراتي مع السلطة، وجدوى نشر قوات متعددة الجنسيات في الضفة، إضافة إلى كل ذلك، تبحث اللجنة طبيعة التطورات الأمنية وغيرها بين الأردن والدولة الفلسطينية، وكذلك تأثير علاقة الأردن بالكيان “الإسرائيلي”، ودراسة السيناريوهات التي يمكن اللجوء إليها في حال انهيار نظام الحكم في الأردن، وسبر الاحتمالات المتصلة بالتغييرات الإقليمية، ووضع الخطط والآليات التي تمكن من جذب الدول العربية والإسلامية إلى فضاء التطبيع الواقعي والفعلي مع الدولة العبرية تحت ظلال المفاوضات الفلسطينية  “الإسرائيلية” .

وعلى رغم أن التوصيات التي ستعرضها اللجنة بعد أشهر، والتي تعكس عناوينها مستوى الخشية الأمريكية من التطورات الدراماتيكية التي تدب على الأرض، وطبيعة التفكير التقليدية التي تجاوزتها التطورات لدى صنّاع القرار في واشنطن، ستكون ترجمتها مرهونة بإحراز تقدم مقنع في المفاوضات، وهو أمر يستحيل تحقيقه، ليس فقط بسبب اتساع دائرة الرفض الشعبي والوطني الفلسطيني لهكذا نمط من التفاوض، وإنما أيضاً بالنظر إلى الفجوة الهائلة التي تفصل ما بين الحد الأدنى من مطالب الجانب الفلسطيني، والفتات التافه الذي يمكن أن تقدمه حكومة الذئاب “الإسرائيلية”، غير أن ثمة جوانب أخرى للمسألة لها علاقة بالصفقات والمقايضات المحتملة، التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، ما بين الأمريكيين والروس حول العديد من الملفات الدولية والإقليمية، وكذلك بقدرة إدارة أوباما على وقف الانهيارات في جبهة حلفائها الإقليميين، وبالأخص أولئك الذين ثارت الشعوب ضد حكمهم بعد فترة وجيزة من تربعهم على سدة السلطة .

وهكذا، وتحت وطأة هذه المحددات، وعلى خلفية تسارع الأحداث في أكثر من بلد عربي، وانفتاح الأفق على مختلف الاحتمالات، يصبح الأكثر ترجيحاً هو عدم تمكن الأمريكيين و”الإسرائيليين” من إبقاء الملف الفلسطيني بعيداً عن دائرة الأحداث العربية والإقليمية المحيطة، وانهيار الوهم بإمكانية فبركة تسوية ما للقضية الفلسطينية بعيداً عن إرادة الشعب، ولو كان العنوان هو استيلاد “دولة فلسطينية” لم تتمكن المبادرات والمفاوضات كافة التي تلت اتفاق أوسلو، بدءاً من اتفاق القاهرة واتفاق طابا واتفاقي واي ريفر، ومروراً بخطة خريطة الطريق ومؤتمر أنابوليس، والمفاوضات الماراثونية بين رئيس السلطة محمود عباس ورئيس وزراء الكيان السابق إيهود أولمرت،، ووصولاً إلى ما تلا ذلك من لقاءات متقطعة ومتفرقة، من مجرد مقاربته بما يتوافق ورؤية الأكثر اعتدالاً وانبطاحاً في الساحة الفلسطينية .

 

 

المصدر: 
الخليج