حل أمريكي - صهيوني

بقلم: 

لو خير كل من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، في أن يختارا أكثر ما يناسبهما من الظروف والتوقيت للسعي في تسوية لقضية فلسطين تكون أقرب ما تكون إلى تصفية نهائية لهذه القضية، لما أتيح لهما حتى يومنا هذا، أفضل من التوقيت الحالي للمضي قدماً باتجاه تسوية أو حل يكون تصفية لقضية فلسطين، بأفضل الشروط المناسبة لكل من الولايات المتحدة من جهة والكيان الصهيوني من جهة ثانية، وللتحالف الاستراتيجي القائم بين الاثنين .

فحالة شعب فلسطين السياسية، هي في أضعف موقف لها منذ قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وانطلاق حركة المقاومة الفلسطينية في النصف الثاني من ستينات القرن المنصرم، بل هي في أضعف موقف لها منذ وقوع النكبة في عام 1948 . فشعب فلسطين يعيش الذورة التاريخية لتشرذمه بين اراضي عام ،1948 والانقسام في أراضي 1967 بين الضفة الغربية وغزة، والتوزع في الشتات العربي مع حالات سياسية بائسة من التشرذم تحت ضربات التفكك العراقي، والأزمة السورية المدمرة، والتجاذب الأردني بين الحكومة وحركة الإخوان المسلمين .

ويبدو شعب فلسطين كمن استنفد حيويته التاريخية، في انتفاضتين، انتهت كل منهما بفخ كان يزيد في كل مرة التدهور التاريخي لقضية فلسطين من جهة، وللظروف المعيشية لشعبها من جهة ثانية .

كما أن شعب فلسطين يعيش في حالة أقرب إلى التخلي عن كل أشكال المقاومة المدنية والمسلحة، بعد دخول حركة حماس في هدنة مطولة مع “إسرائيل” من جهة، وتكرار إعلان رأس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، التنازل النهائي عن كل أشكال المقاومة، لمصلحة حركة سياسية واحدة هي المفاوضات .

والوضع العربي العام، يكاد يكون هو الآخر موازياً في بؤسه السياسي للواقع الفلسطيني، فهذا بلد كالعراق، يتحول من أكبر وأقوى دولة عربية موحدة في المشرق العربي، إلى كيان مفكك مهلهل يعيش في حالة دائمة ومستمرة من الاقتتال الدامي الطائفي والمذهبي بين أبنائه .

وهذه سوريا، ثاني أكبر وأقوى دولة عربية في المشرق العربي تعيش في حالة اقتتال وتشرذم لا يبدو له أفق لحل سلمي قريب .

وهذه مصر، كبرى الدول العربية، وحجر الارتكاز التاريخي في الصراع العربي “الإسرائيلي”، ما تزال رغم قيام ثورتين شعبيتين في خلال عامين ونصف العام تحاول الفكاك من أسر تركة العهد القصير لحكم الإخوان المسلمين، الذي قالت عنه “إسرائيل” صراحة إن التعاون الأمني بينها وبينه كان أقوى وأعمق مما كان قائماً مع نظام مبارك، الذي ظلت “إسرائيل” تعدّه، حتى رحيله، كنزها الاستراتيجي .

في هذه الظروف الفلسطينية والعربية التي تتوجها ذروة الانقسام المذهبي، وتراجع لكل عوامل التوحد والمشاركة في ما بينها، أمام كل عوامل  التشرذم والتباغض، في هذه الظروف بالذات، قيام وزير الخارجية الأمريكية برحلة مكوكية، استغرقت منه ست جولات، ليفرض استئناف مفاوضات التسوية بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، وفي وقت وصل فيه تهويد القدس إلى ما نسبته تسعون في المئة، وفق الدراسات الأخيرة .

ولعل أكثر ما يثير المخاوف من هذه المفاوضات التي يدخلها الجانب الفلسطيني وفي يده صفر من أوراق القوة، أن جون كيري يبشرنا بأن هذه المفاوضات لابد لها من أن تظهر نتائجها النهائية في خلال تسعة شهور، لا أكثر . أي أن بداية المفاوضات ونهاية المفاوضات سيتمان في الحالة البائسة والظروف اليائسة نفسها، لشعب فلسطين ولأمته العربية، حيث لا يعقل أن يطرأ أي تغيير فلسطيني أو عربي جدي على الظروف العامة للقضية، من خلال الشهور التسعة القادمة .

خلاصة القول، أننا الآن لسنا أمام مجرد استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، كما في كل مرة منذ عشرين عاماً فقط، بل أمام تصفية تاريخية نهائية هذه المرة لقضية فلسطين، تمد سلطة الكيان الصهيوني من البحر إلى النهر (نهر الأردن)، وتحول شعب فلسطين من صاحب أعدل قضية في القرن العشرين، إلى كتل بشرية ممزقة ومشتتة، تشكل احتياطياً بشرياً للكيان الصهيوني، بأبخس الأثمان .

 

المصدر: 
الخليج